مقاتل الطالبيين،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أيام المأمون ابن الرشيد

صفحة 457 - الجزء 1

  لا تشرك بعبادة ربك أحدا⁣(⁣١).

  فجعل المأمون يدخل إليه، فلما ثقل تعالل المأمون وأظهر أنهما أكلا عنده جميعا طعاما ضارا فمرضا، ولم يزل الرضا عليلا حتى مات.

  واختلف في أمر وفاته، وكيف كان سبب السم الذي سقيه.

  فذكر محمد بن علي بن حمزة أن منصور بن بشير ذكر عن أخيه عبد الله بن بشير:

  أن المأمون أمره أن يطوّل أظفاره ففعل، ثم أخرج إليه شيئا يشبه التمر الهندي، وقال له: افركه واعجنه بيديك جميعا، ففعل.

  ثم دخل على الرضا فقال له: ما خبرك؟

  قال: أرجو أن أكون صالحا.

  فقال له: هل جاءك أحد من المترفّقين اليوم؟.

  قال: لا، فغضب وصاح على غلمانه، وقال له: فخذ ماء الرمان اليوم فإنه ما لا يستغنى عنه. ثم دعا برمان فأعطاه عبد الله بن بشير وقال له: اعصر ماءه بيدك، ففعل وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه، فكان ذلك سبب وفاته، ولم يلبث إلّا يومين حتى مات.

  قال محمد بن علي بن حمزة، ويحيى: فبلغني عن أبي الصلت الهروي:

  أنه دخل على الرضا بعد ذلك فقال له: يا أبا الصلت قد فعلوها: «أي قد سقوني السم». [وجعل يوحد الله ويمجده]⁣(⁣٢).

  قال محمد بن علي: وسمعت محمد بن الجهم يقول:

  إن الرضا كان يعجبه العنب، فأخذ له عنب وجعل في موضع أقماعه الإبر، فتركت أياما فأكل منه في علته فقتله، وذكر أن ذلك من لطيف السموم.

  ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته، وتركه يوما وليلة، ثم وجه إلى


(١) في الإرشاد ص ٢٨٧ «وكان الرضا يكثر وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه الله ويقبح له ما يرتكب من خلافه، فكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهته واستثقاله. ودخل الرضا يوما عليه فرآه يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يديه الماء فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا، فصرف المأمون الغلام وتولى تمام وضوئه بنفسه، وزاد ذلك في غيظه ووجده».

(٢) الزيادة من الإرشاد ٢٨٨.