شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[جوازم الفعل المضارع على ضربين: ما يجزم فعلا واحدا، وما يجزم فعلين]

صفحة 102 - الجزء 1

  يكون مجزوما بذلك الطلب⁣(⁣١)؛ لما فيه من معنى الشرط، ونعني بقصد الجزاء أنك تقدّره مسبّبا عن ذلك المتقدم، كما أن جزاء الشرط مسبّب عن فعل الشرط، وذلك كقوله تعالى:

  {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ}⁣(⁣٢) تقدم الطّلب وهو «تعالوا» وتأخر المضارع المجرد من الفاء وهو «أتل» وقصد به الجزاء؛ إذ المعنى تعالوا فإن تأتوا أتل عليكم؛ فالتّلاوة عليهم مسبّبة عن مجيئهم فلذلك جزم، وعلامة جزمه حذف آخره - وهو الواو - وقول الشاعر:

  ٢٤ - قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... [بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل]

  وتقول: «ائتني أكرمك» و «هل تأتيني أحدّثك» و «لا تكفر تدخل الجنّة».


(١) ذكر أن الجازم هو نفس الطلب لأنه يتضمن معنى أداة الشرط، وهو مذهب الخليل وسيبويه، وفي هذا الموضوع مذهبان آخران، أولهما: أن الجازم هو نفس الطلب لأنه ناب عن الشرط، كما أن المصدر عمل النصب في نحو قولك «ضربا زيدا» لأنه ناب عن فعل الأمر، لا لأنه تضمن معناه، وهذا مذهب أبي سعيد السيرافي وأبي علي الفارسي، وثانيهما: أن الجازم هو الأداة المقدرة، وهذا مذهب جمهور النحاة، وصححه المتأخرون.

(٢) من الآية ١٥١ من سورة الأنعام.

٢٤ - هذا البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، أحد شعراء الجاهلية، وهو مطلع معلقته المشهورة.

اللغة: «قفا» أمر من الوقوف، خاطب به اثنين كانا يسيران معه، أو خاطب به واحدا فنزله منزلة اثنين؛ لجريان عادة العرب على أن تكون الرفقة ثلاثة فما فوق، أو خاطب به واحدا وهذه الألف ليست ضميرا، وإنما هي منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة إجراء للوصل مجرى الوقف «نبك» مضارع من البكاء «منزل» أراد به المكان الذي كان ينزل أحبابه فيه «بسقط اللوى» السقط - بكسر السين أو ضمها أو فتحها - ما تساقط من الرمل، واللوى - بكسر اللام - المكان الذي يكون رمله مستدقا «الدخول» بفتح الدال وضم الخاء - اسم مكان بعينه «حومل» بفتحتين بينهما سكون بزنة جعفر - اسم مكان معين أيضا.

المعنى: يأمر صاحبيه أن يقفا معه ليعاوناه على البكاء عند منازل أحبابه التي كان يلقاهم فيها، وليجدد الذكريات القديمة.

الإعراب: «قفا» فعل أمر، مبني على حذف النون، وألف الاثنين فاعل مبني على السكون في محل رفع «نبك» فعل مضارع، مجزوم في جواب الأمر، وعلامة جزمه حذف الياء والكسرة قبلها دليل عليها، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن «من ذكرى» جار ومجرور متعلق بنبك، وذكرى مضاف وقوله «حبيب» مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة «ومنزل» معطوف بالواو على حبيب «بسقط» جار ومجرور متعلق بقوله قفا، وسقط مضاف، و «اللوى» مضاف إليه، مجرور بالإضافة، وعلامة جره كسرة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «بين» ظرف مكان منصوب على =