[الأول: الطلب، أمرا، أو نهيا]
  ولو كان المتقدم نفيا أو خبرا مثبتا لم يجزم الفعل بعده؛ فالأول نحو: «ما تأتينا تحدّثنا» برفع تحدثنا وجوبا، ولا يجوز لك جزمه، وقد غلط في ذلك صاحب الجمل، والثاني نحو: «أنت تأتينا تحدّثنا» برفع تحدثنا وجوبا باتفاق النحويين(١).
  وأما قول العرب: «اتّقى اللّه امرؤ فعل خيرا يثب عليه» بالجزم؛ فوجهه أنّ اتّقى اللّه وفعل وإن كانا فعلين ماضيين ظاهرهما الخبر إلا أن المراد بهما الطلب والمعنى ليتّق اللّه امرؤ وليفعل خيرا، وكذلك قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ}(٢) فجزم {يَغْفِرْ} لأنه جواب لقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ} لكونه في معنى آمنوا وجاهدوا، وليس جوابا للاستفهام؛ لأن غفران الذنوب لا يتسبّب عن نفس الدلالة، بل عن الإيمان والجهاد.
  ولو لم يقصد بالفعل الواقع بعد الطلب الجزاء امتنع جزمه، كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}(٣) فتطهرهم: مرفوع باتفاق القراء، وإن كان مسبوقا بالطلب وهو {خُذْ} لكونه ليس مقصودا به معنى إن تأخذ منهم صدقة تطهرهم، وإنما أريد خذ من أموالهم صدقة مطهرة؛ فتطهرهم: صفة لصدقة، ولو قرئ بالجزم على معنى الجزاء لم يمتنع في القياس، كما قرئ قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي}(٤) بالرفع على
= الظرفية، وهو متعلق بمحذوف حال من سقط اللوى وبين مضاف وقوله «الدخول» مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة «فحومل» حومل: معطوف بالفاء على الدخول، والمعطوف على المجرور مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
الشاهد فيه: قوله «نبك» فإنه فعل مضارع غير مقرون بالفاء، وقد سبقه فعل أمر، وهو قوله: قفا، وقصد الشاعر أن يجعل البكاء مسببا عن الوقوف، ولذلك جزم هذا المضارع في جواب الأمر؛ فحذف منه حرف العلة الذي هو آخره، وهذا الحذف هو أمارة الجزم، مع أنه لا مانع في الكلام من ذلك؛ لأنه يصح لك أن تقول: إن تقفا نبك، فافهم ذلك، واللّه يرشدك.
(١) إنما وجب الرفع بعد الخبر المثبت وبعد النفي لأن صحة الجزم تقتضي أن يكون السابق سببا، ولا يكون الخبر المثبت سببا وهو ظاهر، والنفي لا يكون سببا أيضا، ألا ترى أنك لو قلت «ما تأتينا فتحدثنا» لم يعقل أن يكون تقدم عدم الإتيان سببا في الحديث.
(٢) الآيات ١٠، ١١، ١٢ من سورة الصف.
(٣) من الآية ١٠٣ من سورة التوبة.
(٤) من الآيتين ٥ ٦ من سورة مريم.