[الأول: الطلب، أمرا، أو نهيا]
  جعل {يَرِثُنِي} صفة لوليّا، وبالجزم على جعله جزاء للأمر، وهذا بخلاف قولك «ائتني برجل يحبّ اللّه ورسوله»، فإنه لا يجوز فيه الجزم؛ لأنك لا تريد أن محبة الرجل للّه ورسوله مسبّبة عن الإتيان [به]، كما تريد في قولك «ائتني أكرمك» بالجزم؛ لأن الإكرام مسبّب عن الإتيان، وإنما أردت ائتني برجل موصوف بهذه الصفة(١).
  واعلم أنه لا يجوز الجزم في جواب النهي إلا بشرط أن يصح تقدير شرط في موضعه مقرون بلا النافية، مع صحة المعنى، وذلك نحو قولك «لا تكفر تدخل الجنّة» و «لا تدن من الأسد تسلم» فإنه لو قيل في موضعهما «إن لا تكفر تدخل الجنّة» و «إن لا تدن من الأسد تسلم» صحّ، بخلاف «لا تكفر تدخل النّار» و «لا تدن من الأسد يأكلك» فإنه ممتنع؛ فإنه لا يصح أن يقال «إن لا تكفر تدخل النّار» و «إن لا تدن من الأسد يأكلك»، ولهذا أجمعت السبعة على الرفع في قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}(٢)؛ لأنه لا يصح أن يقال «إن لا تمنن تستكثر» وليس هذا بجواب، وإنما هو في موضع نصب على الحال من الضمير في (تمنن)؛ فكأنه قيل: ولا تمنن مستكثرا، ومعنى الآية أن اللّه تعالى نهى نبيه ÷ عن أن يهب شيئا وهو يطمع أن يتعوّض من الموهوب له [أكثر من الموهوب].
  فإن قلت: فما تصنع بقراءه الحسن البصري (تستكثر) بالجزم؟.
  قلت: يحتمل ثلاثة أوجه:
  أحدها: أن يكون بدلا من {تَمْنُنْ}(٣) كأنه قيل: لا تستكثر، أي: لا تر ما تعطيه كثيرا.
(١) المضارع الواقع بعد الطلب الذي لم يقصد به الجزاء يكون هو وفاعله جملة، ثم إن له أربعة مواضع، وذلك لأنه إن كان ما قبله نكرة غير صالحة لمجيء الحال منها تكون جملة المضارع صفة كما في الآية الكريمة {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي} وإن كان ما قبل المضارع معرفة كانت جملة المضارع حالا كما في قوله تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} وقد تكون معطوفة على ما قبلها كما في قوله سبحانه {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} فإن يعتذرون معطوف على «يؤذن لهم» لأن الغرض نفي الإذن في الاعتذار، بدليل قوله سبحانه: {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} وقد يكون المضارع المذكور كلاما مستأنفا كما في قول الشاعر:
وقال رائدهم: أرسوا نزاولها ... فحتف كلّ امرئ يجري لمقدار
(٢) من الآية ٦ من سورة المدثر.
(٣) ذهب جماعة إلى أن البدل في هذه الآية الكريمة لا يجوز، وذلك لأن البدل إنما يصح إذا تحقق شرطان:
أحدهما: أن يكون معنى البدل والمبدل منه واحدا. =