شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[وقد يتقدم خبرها إلا مع دام وليس]

صفحة 157 - الجزء 1

  ش - يجوز في «كان، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظلّ» أن تستعمل بمعنى صار⁣(⁣١)، كقوله تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً}⁣(⁣٢)، {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً}⁣(⁣٣)، {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا}⁣(⁣٤)، وقال الشاعر:

  ٤٤ - أمست خلاء، وأمسى أهلها احتملوا ... أخنى عليها الّذي أخنى على لبد


(١) ههنا أمران أحب أن أنبهك إليهما:

الأول: أن معنى مرادفة هذه الأفعال لصار أنها تدل على تحول الموصوف عن صفته التي كان عليها إلى الصفة التي يدل عليها خبرها، نحو قوله تعالى {فَكانَتْ هَباءً} فإن المعنى واللّه أعلم أنها تحولت من صفة الثبات إلى صفة الهبائية، ومثل ذلك قولك «صار زيد غنيا» ألا ترى أن المعنى أنه تحول من صفة عارضة هي الفقر إلى صفة أخرى عارضة أيضا هي الغنى، ومن أمثلة ذلك قولهم «صار الطين إبريقا».

الأمر الثاني: أن جار اللّه الزمخشري ذهب إلى أن «بات» أيضا تأتي بمعنى صار، ومثل لذلك بقوله ÷ «فإنه لا يدري أين باتت يده» والذي دعاه إلى هذا أن النوم قد يكون ليلا وقد يكون نهارا، فإذا بقي بات على معناه الأصلي - وهو تخصيص ثبوت اسمها لخبرها بوقت البيات - لم يفد الكلام أن الحكم يسري على من نام نهارا، وليس هذا الكلام بسديد؛ فإن هذا التعبير جرى على ما هو الغالب في النوم وهو كونه ليلا، والنوم في النهار قليل.

وقد مضى عد الأفعال التي بمعنى صار والاستشهاد لها.

(٢) من الآيات ٥ و ٦ و ٧ من سورة الواقعة.

(٣) من الآية ١٠٣ من سورة آل عمران.

(٤) من الآية ٥٨ من سورة النحل.

٤٤ - هذا البيت من كلام النابغة الذبياني، وقد استشهد به الأشموني (رقم ١٨٠) وشرحناه هناك شرحا وافيا.

اللغة والرواية: «أمست خلاء» يروى في مكانه «أضحت خلاء» وتقديره أمست ذات خلاء، والخلاء: الفراغ، وقوله «وأمسى أهلها احتملوا» أي: ارتحلوا وفارقوها «أخنى عليها» أي: أفسدها ونقصها «لبد» بضم ففتح اسم - نسر، وكان لبد هذا - فيما زعموا - آخر نسور لقمان بن عاد السبعة التي طلب إلى اللّه أن يعمر عمرها.

المعنى: يصف دار أحبابه بأنها قد تحولت من حال إلى حال؛ فقد خلت من الإنس، ولم يبق بها من سكانها أحد، وبأن الأيام قد أفسدت بهجتها ونقصت من أنسها.

الإعراب: «أمست» أمسى: فعل ماض ناقص، مبني على الفتح المقدر لا محل له، والتاء علامة على تأنيث المسند إليه، حرف لا محل له من الإعراب، واسم أمسى ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الدار المذكورة في قوله:

يا دار ميّة بالعلياء فالسّند ... أقوت، وطال عليها سالف الأمد

«خلاء» خبر أمسى، منصوب بالفتحة الظاهرة «وأمسى» الواو حرف عطف، وأمسى: فعل ماض مبني =