[«لا» النافية تعمل عمل ليس في الشعر بشروط]
  ولإعمالها أربعة شروط: أن يتقدم اسمها، وأن لا يقترن خبرها بإلّا، وأن يكون اسمها وخبرها نكرتين، وأن يكون ذلك في الشعر، لا في النثر:
  فلا يجوز إعمالها في نحو: «لا أفضل منك أحد»: ولا في نحو: «لا أحد إلّا أفضل منك»: ولا في نحو: «لا زيد قائم ولا عمرو»: ولهذا غلّط المتنبي في قوله:
  ٥٢ - إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى ... فلا الحمد مكسوبا، ولا المال باقيا
  وقد صرّحت بالشرطين الأخيرين، ووكلت معرفة الأوّلين إلى القياس على ما؛ لأنّ
٥٢ - هذا البيت من كلام أبي الطيب المتنبي، وهو شاعر من شعراء الدولة العباسية، ولا يحتج بشعره في قواعد النحو،؛ فقد توفي في سنة ٣٥٤ من الهجرة، ولكن المؤلف أنشده ههنا ليبين أنه أخطأ، وسنبين لك ذلك، ونرده إن شاء اللّه، وقد أنشده المؤلف في شذور الذهب (رقم ٩٤) وفي كتابه مغني اللبيب (رقم ٤٠٠).
اللغة: «الجود» العطاء والكرم «الأذى» أراد به المنّ على المعطي بتعداد العطايا ونحو ذلك، وقد سماه أذى أخذا من قوله سبحانه وتعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً} ونظير ذلك الآية التي نتلوها مع بيان المعنى.
المعنى: إذا كان الجواد يعطي ثم يمن فإنه لا يجد من يمدحه ليأخذ من عطاياه، مع أن ماله ليس باقيا له، ومعنى ذلك البيت مأخوذ من قوله تعالى: {لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى} من الآية ٢٦٤ من سورة البقرة.
الإعراب: «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان «الجود» نائب فاعل لفعل محذوف يفسره الذي بعده، والتقدير: إذا لم يرزق الجود، والجملة من الفعل المحذوف ونائب فاعله في محل جر بإضافة «إذا» إليها «لم» حرف نفي وجزم وقلب «يرزق» فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجود، والجملة من يرزق المذكور ونائب فاعله لا محل لها من الإعراب مفسرة «خلاصا» مفعول ثان ليرزق، والمفعول الأول هو نائب الفاعل «من الأذى» جار ومجرور متعلق بخلاص «فلا» الفاء واقعة في جواب إذا، لا: نافية تعمل عمل ليس «الحمد» اسم لا، مرفوع بالضمة الظاهرة «مكسوبا» خبر لا، منصوب بالفتحة الظاهرة «ولا» الواو حرف عطف، لا: حرف نفي يعمل عمل ليس «المال» اسم لا مرفوع بالضمة الظاهرة «باقيا» خبر لا، منصوب بالفتحة الظاهرة.
التمثيل به: في قوله: «لا الحمد مكسوبا، ولا المال باقيا» فإنه أعمل «لا» عمل ليس في الموضعين؛ فرفع بها الاسم - وهو قوله: الحمد، وقوله: المال - ونصب بها الخبر - وهو قوله: مكسوبا، وقوله:
باقيا - مع كون اسمها في الموضعين معرفة لاقترانه بالألف واللام.
وقد ذكر الخبر في الموضعين فدل أيضا على جواز ذكر خبر «لا» العاملة عمل ليس، خلافا لمن زعم =