شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[الإلغاء، والتعليق، ومعنى كل منهما، وبيان الفرق بينهما]

صفحة 199 - الجزء 1

  فالقوم: مبتدأ، و «في أثري» في موضع رفع على أنه خبره، وأهملت «ظنّ» لتأخرها عنهما.

  ومتى تقدّم الفعل على المبتدأ والخبر معا، لم يجز الإهمال، لا تقول: ظننت زيد قائم، بالرفع، خلافا للكوفيين.

  * * * وأما التعليق فهو عبارة عن «إبطال عملها لفظا، لا محلّا»، لاعتراض ما له صدر


= يؤملون من الإيقاع بي.

المعنى: يقول: إنني أظن أن القوم يتعقبونني وهم خلفي؛ فإن كان هذا الذي أظنه واقعا فسوف أفلت منهم أوقع بهم أعظم وقيعة؛ فأخيب فألهم، وأظفر عليهم.

الإعراب: «القوم» مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة «في» حرف جر «أثري» أثر: مجرور بفي، وعلامة جره كسرة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وأثر مضاف وياء المتكلم مضاف إليه «ظننت» فعل وفاعل «فإن» الفاء حرف دالّ على التفريع، إن: حرف شرط جازم يجزم فعلين الأول فعل الشرط والثاني جوابه وجزاؤه «يكن» فعل مضارع تام فعل الشرط، مجزوم بأن، وعلامة جزمه السكون «ما» اسم موصول: فاعل يكن، مبني على السكون في محل رفع «قد» حرف تحقيق «ظننت» فعل وفاعل، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، ومفعولا ظننت هذه محذوفان، وتقدير الكلام: فإن يحصل ويقع الذي ظننته حاصلا «فقد» الفاء واقعة في جواب الشرط، وقد: حرف تحقيق «ظفرت» فعل وفاعل، والجملة من الفعل والفاعل في محل جزم جواب الشرط «وخابوا» الواو حرف عطف، خاب: فعل ماض مبني على فتح مقدر على آخره منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة المأتي بها لأجل الواو، وواو الجماعة فاعل مبني على السكون في محل رفع، والجملة من الفعل والفاعل في محل جزم معطوفة على جملة جواب الشرط.

الشاهد فيه: قوله «القوم في أثري ظننت» حيث تأخر الفعل الناسخ الذي هو ظن عن المبتدأ والخبر جميعا، وهما قوله «القوم في أثري» فلما تأخر عنهما ألغي عمله فيهما، ولولا هذا التأخر لعمل فيهما النصب؛ فكان يقول «ظننت القوم في أثري» بنصب لفظ القوم على أنه المفعول الأول، ونصب محل الجار والمجرور - وهو قوله «في أثري» - على أنه المفعول الثاني، وهذا واضح إن شاء اللّه.

ونظير هذا البيت قول أبي أسيدة الدبيري:

هما سيّدانا يزعمان، وإنّما ... يسوداننا إن أيسرت غنماهما

فقد تأخر «يزعمان» وهو العامل، عن المبتدأ والخبر وهما قوله «هما سيدانا» فألغي العامل بدليل أن الواقع مبتدأ هو ضمير الرفع، ورفع «سيدانا» بالألف.