شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

ترجمة العلامة الراحل محمد محيي الدين عبد الحميد

صفحة 20 - الجزء 1

  والمعارف، وأقرب ما يصل بنا إلى هذه الغاية معاودة معارفنا القديمة مع اختيار أقربها إلى أنفسنا وقلوبنا في فروع العلم كلها»⁣(⁣١).

  وفي مقال آخر يقول:

  «وقد خلق اللّه في نفسي حب السلف، والتفاني في الدفاع عن علومهم وأفكارهم، والحرص على إذاعة فضلهم وعظيم منّتهم علينا وعلى من يأتي بعد من الأجيال المتلاحقة، ولست أدري سرّ ذلك كله، غير أني لا أشك في أن بين أيدينا ثروة يحس بها المستشرقون أكثر مما نحس بها نحن أبناء هؤلاء المورّثين، وأنا نضيع هذه الثروة بأحد سببين لا ثالث لهما؛ أولهما: الانصراف عنها إلى الافتتان بالغرب وعلوم الغرب، وردّ كل نبوغ وفوق إلى نبوغ الغرب وفوقه، وثانيهما: الاقتناع من باعة الكتب بأن يظهروا لنا كتب أسلافنا على صور مشوهة ممسوخة لا تسد نهمة ولا تبلّ أواما، ولو أننا أرغمناهم على أن يظهروها موافقة لروح العصر الحديث لاستطعنا أن نفيد، وأن نجد في ميراثنا النفع والغناء»⁣(⁣٢).

  وفي أحد المؤتمرات التي مثل الأزهر فيها يقول⁣(⁣٣):

  «حضرات السادة. إن في أعناقكم أمانة من أثقل الأمانات حملا، وأنتم بحمد اللّه صفوة الصفوة من رجال الأمم العربية، فليس يعجزكم أن تنهضوا بما حملتم وأن تؤدوا الأمانة على أفضل وجوه الأداء، وإني لعلى ثقة من أنكم ستنظرون إلى قديمنا الخالد نظرة المعتز به العارف لما فيه من خير وفضل، وستحاولون ما وسعه جهدكم أن تنفضوا عنه ما علق به بدواعي الإهمال من غبار فيظهر للناس رواؤه وتتكشف لهم بهجته، كما أني على ثقة من أنكم لا تهملون من الجديد إلا ما تحقق لكم زيفه وثبت عندكم بهرجه، وأنتم خير من علم أن الأمم لا تنهض إلا بأن تصل حديثها النافع بقديمها الصالح.

  حضرات السادة.. إن للأمة العربية لتراثا من العلم والمعرفة في جميع ما كان معروفا للعالم من ألوان العلم والمعرفة، وقد ساير آباؤنا بهذا التراث أحقاب الزمن، وكان


(١) من مقدمة كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» سنة ١٣٥٨ هـ - ١٩٣٩ م.

(٢) من مقدمة كتاب «العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده» ١٣٥٣ هـ - ١٩٣٤ م.

(٣) من كلمة ألقاها في حفل افتتاج المؤتمر الثقافي الأول للجامعة العربية في بيت مري - لبنان - ٢ سبتمبر ١٩٤٧ م.