شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[الإلغاء، والتعليق، ومعنى كل منهما، وبيان الفرق بينهما]

صفحة 201 - الجزء 1

  و «الاستفهام»، كقولك: «علمت أزيد قائم»، وكذلك إذا كان في الجملة اسم استفهام، سواء كان أحد جزءي الجملة، أو كان فضلة؛ فالأول نحو قوله تعالى:

  {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى}⁣(⁣١)، والثاني كقوله تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}⁣(⁣٢)؛ فأيّ منقلب: منصوب ب (ينقلبون) على المصدرية؛ أي ينقلبون أيّ انقلاب، و «يعلم» معلّقة عن الجملة بأسرها؛ لما فيها من اسم الاستفهام وهو أي؛ وربما توهّم بعض الطلبة انتصاب «أيّ» ب (يعلم)، وهو خطأ؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، فلا يعمل فيه ما قبله.

  وإنما سمي هذا الإهمال تعليقا، لأن العامل في نحو قولك: «علمت ما زيد قائم» عامل في المحل، وليس عاملا في اللفظ، فهو عامل لا عامل، فشبّه بالمرأة المعلّقة التي هي لا مزوّجة ولا مطلّقة، والمرأة المعلقة: هي التي أساء زوجها عشرتها.

  والدليل على أن الفعل عامل في المحل أنه يجوز العطف على محل الجملة بالنصب كقول كثيّر:

  ٧٤ - وما كنت أدري قبل عزّة ما البكى ... ولا موجعات القلب حتّى تولّت


= الشاهد فيه: قوله «علمت لتأتين منيتي» حيث وقع الفعل الذي من شأنه أن ينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر - وهو علمت - قبل لام جواب القسم، فلما وقع ذلك الفعل في هذا الموقع علق عن العمل في لفظ الجملة فلم ينصب طرفيها، ولولا هذه اللام لنصب هذا الفعل المفعولين البتة؛ فكان يقول: ولقد علمت منيتي آتية، بنصب منية نصبا تقديريا على أنه المفعول الأول، ونصب آتية نصبا ظاهرا على أنه المفعول الثاني، ولكن وجود اللام منع من وجود هذا النصب في اللفظ، وجعله موجودا في التقدير، والدليل على وجوده في التقدير أنك لو عطفت على محل جملة «لتأتين» لعطفت بالنصب، وسيأتي إيضاح ذلك في الكلام على الشاهد الآتي (رقم ٧٤) إن شاء اللّه تعالى.

(١) من الآية ٧١ من سورة طه.

(٢) من الآية ٢٢٧ من سورة الشعراء.

٧٤ - هذا البيت من كلام كثير بن عبد الرحمن، الذي اشتهر بكثير عزة، لكثرة ما كان يتغزل فيها، وقد أنشد الأشموني هذا البيت في باب ظن وأخواتها (رقم ٣٣٨) والمؤلف في أوضحه (رقم ١٨٨) وفي شذور الذهب (رقم ١٨٧) وفي مغني اللبيب (رقم ٦٦٨).

اللغة: «أدري» أعلم «عزة» اسم امرأة كان الشاعر يحبها «موجعات» جمع موجعة، وهي المؤلمة.

المعنى: يقول: قبل أن أعرف عزة وأهواها لم أكن أعرف البكاء؛ لأنه لم يكن بخاطري، ولم أكن =