شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[لا يستعمل في الندبة إلا يا أو وا]

صفحة 248 - الجزء 1

  ٩٨ - حمّلت أمرا عظيما، فاصطبرت له ... وقمت فيه بأمر اللّه يا عمرا

  والثاني: كقول المتنبي:

  ٩٩ - وا حرّ قلباه ممّن قلبه شبم ... [ومن بجسمي وحالي عنده سقم]

[لا يستعمل في الندبة إلا يا أو وا]

  ولا يستعمل فيه من حروف النداء إلا حرفان: «وا» وهي الغالبة عليه، والمختصّة به، و «يا» وذلك إذا لم يلتبس بالمنادى المحض.


٩٨ - هذا البيت من قصيدة لجرير بن عطية يرثي بها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان، وقد أنشده المؤلف في أوضحه (رقم ٤٣٠).

اللغة: «أمرا عظيما» أراد به الخلافة وشؤونها «اصطبرت له» أراد اضطلعت بأعبائه وصبرت على لأوائه ومشاقه، وجشمت نفسك الهول العظيم لمصلحة الرعية ابتغاء رضوان اللّه.

الإعراب: «حملت» حمل: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المخاطب نائب فاعل مبني على الفتح في محل رفع، وهو مفعول أول «أمرا» مفعول ثان لحمل «عظيما» صفة لأمر «فاصطبرت» الفاء حرف عطف، اصطبر: فعل ماض، وتاء المخاطب فاعله «له» جار ومجرور متعلق باصطبر «وقمت» الواو حرف عطف، قمت: فعل وفاعل «فيه» جار ومجرور متعلق بقام «بأمر» جار ومجرور متعلق بقام أيضا، وأمر مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه «يا» حرف نداء وندبة «عمرا» منادى مندوب، مبني على الضم المقدر على آخره منع ظهوره اشتغال المحل بحركة المناسبة المأتي بها لأجل الألف في محل نصب.

الشاهد فيه: قوله «يا عمرا» فإنه يدل على أن المندوب متفجع عليه؛ وأنت تراه قد استعمله بيا التي تستعمل في النداء، لأنه يأمن من الالتباس بالمنادى المحض، لأنه في مقام الرثاء، والرثاء إنما يكون بعد الموت؛ والظاهر أنه لا يطلب إقباله، وإنما يظهر فجيعته فيه وحزنه عليه؛ وترى أيضا أنه زاد في آخره ألفا، ولم يزد هاء.

٩٩ - هذا البيت مطلع قصيدة لأبي الطيب أحمد بن الحسين المشهور بالمتنبي، وهو من شعراء الدولة العباسية؛ فقد توفي في سنة ٣٥٤ الهجرية، وهو ممن لا يحتج بشعرهم على قواعد العربية ولا على بيان مفرداتها، والمؤلف إن كان يقصد الاحتجاج به فهو مخالف لما يكاد يجمع عليه الثقات من علماء العربية، وإن كان يقصد التمثيل به فلا بأس.

اللغة: «واحر قلباه» أراد أن يقول: «واحر قلبي» بياء المتكلم ويلحق به ألف الندبة، وكان من حقه أن يقول: واحر قلبياه؛ فيفتح ياء المتكلم، إلا أنه حذف الياء وكأنه حذفها ساكنة للتخلص من التقاء الساكنين الياء والألف بعدها، وهذه الهاء هي هاء السكت، وقد ألحقها في الوصل، وهذه ضرورة أخرى «شبم» بارد.

المعنى: يقول: واحر قلبي وشغفه الشديد بمن قلبه بارد، لا يحس بما أكابده من الوجد، ولا يشعر =