شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[المستثنى بإلا وأحواله، وحكم كل منها]

صفحة 274 - الجزء 1

  الثاني: أن ينصب على أصل الباب، وهو عربي جيد، والاتباع أجود منه.

  ص - ونعني بغير الإيجاب النفي والنهي والاستفهام.

  مثال النفي قوله تعالى: {ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}⁣(⁣١)، قرأ السبعة - غير ابن عامر - بالرفع على الإبدال من الواو في {ما فَعَلُوهُ}، وقرأ ابن عامر وحده بالنصب على الاستثناء.

  ومثال النهي قوله تعالى: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ}⁣(⁣٢)، قرأ أبو عمرو وابن كثير بالرفع على الإبدال من {أَحَدٌ}، وقرأ الباقون بالنصب على الاستثناء وفيه وجهان؛ أحدهما: أن يكون مستثنى من {أَحَدٌ}، وجاءت قراءة الأكثر على الوجه المرجوح؛ لأن مرجع القراءة الرواية لا الرأي، والثاني: أن يكون مستثنى من {أَهْلِكَ} فعلى هذا يكون النصب واجبا.

  ومثال الاستفهام قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}⁣(⁣٣)، قرأ الجميع بالرفع على الإبدال من الضمير في (يقنط) ولو قرئ «إلا الضالين» بالنصب على الاستثناء لجاز، ولكن القراءة سنّة متّبعة.

  وإن كان الاستثناء⁣(⁣٤) منقطعا فأهل الحجاز يوجبون النّصب فيقولون: «ما فيها أحد


= إلا كزيد بعد لا، كلاهما معطوف على السابق؛ فيأخذ حكمه الإعرابي، ويكون مخالفا له في نفي معنى العامل عنه، وهذا مذهب ضعيف، ومما يدل على ضعفه أنا نرى «إلا» تقع بعد العامل في نحو قولنا «ما قام إلا زيد» ولو كانت حرف عطف لم يصح أن تقع بعد العامل كسائر حروف العطف، فإنك لا تقول «قام وزيد» ولا «ما قام وزيد» فهذا ينبئ أن العرب لم تجعل «إلا» مثل حروف العطف، فلا يصح لنا أن نجعلها منها.

(١) من الآية ٦٦ من سورة النساء.

(٢) من الآية ٨١ من سورة هود.

(٣) من الآية ٥٦ من سورة الحجر.

(٤) علماء البصرة يقدرون «إلا» في الاستثناء المنقطع بلكن الاستدراكية، فإذا قلت «ما رأيت القوم إلا حمارا» فكأنك قد قلت «ما رأيت القوم لكن حمارا» وكثيرا ما ترى في كتب التفسير التعبير بمثل قولهم «الاستثناء هنا بمعنى لكن» فإذا رأيت هذه العبارة أو نحوها فاعلم أن قائلها يريد أن الاستثناء منقطع، وأما علماء الكوفة فيقدرون «إلا» في الاستثناء المنقطع بسوى، ونحن نرى تقدير البصريين أدق وأقرب إلى قواعد العربية من تقدير الكوفيين، لأربعة أسباب، أولها: أن «إلا» و «لكن» يشتركان في الحرفية بخلاف سوى فإنها اسم، وتقدير حرف بحرف أولى من تقدير حرف باسم، والثاني: أن «إلا، ولكن» يشتركان في أنهما لا محل لهما من الإعراب، أما سوى فهي سبب كونها اسما ذات محل من الإعراب، وتقدير ما لا محل له بما لا محل له أولى =