شرح قطر الندى وبل الصدى (ابن هشام)،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

[خاتمة «شرح قطر الندى»]

صفحة 370 - الجزء 1

[خاتمة «شرح قطر الندى»]

  وهذا آخر ما أردنا إملاءه على هذه المقدمة، وقد جاء بحمد اللّه مهذّب المباني، مشيد المعاني، محكم الأحكام، مستوفي الأنواع والأقسام، تقرّ به عين الودود، وتكمد به نفس الجاهل الحسود:

  إن يحسدوني فإنّي غير لائمهم ... قبلي من النّاس أهل الفضل قد حسدوا

  فدام لي ولهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد

  أنّا الّذي يجدوني في صدورهم ... لا أرتقي صدرا منها ولا أرد⁣(⁣١)

  وإلى اللّه العظيم أرغب أن يجعل ذلك لوجهه الكريم مصروفا، وعلى النفع به موقوفا، وأن يكفينا شرّ الحسّاد، ولا يفضحنا يوم التّناد، بمنّه وكرمه؛ إنه الكريم التواب، والرؤوف الرحيم الوهاب.

  * * *


(١) في قول الشاعر «يجدوني» من هذا البيت مقال؛ فإنه فعل مضارع اتصلت به واو الجماعة، فهو من الأفعال الخمسة التي ترفع بثبوت النون، وقد اتصلت به ياء المتكلم، والفعل إذا اتصلت به ياء المتكلم لزمت قبلها نون الوقاية؛ فكان ينبغي أن يقول «أنا الذي يجدونني» بنونين: إحداهما نون الرفع، وثانيتهما نون الوقاية، كما في قوله تعالى: {لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} وكما في قوله سبحانه {أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} هذا هو الأصل.

وللعرب في مثل ذلك ثلاث لغات؛ إحداها: إثبات النونين من غير إدغام كالآيتين اللتين تلوناهما، والثانية:

إثباتهما وإدغامهما كما في قوله تعالى: {أَ فَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ} والثالثة: حذف إحداهما كما في البيت، والعلماء يختلفون في المحذوفة منهما: أهي نون الرفع أم نون الوقاية؟ ونحن نرجح أن المحذوفة نون الرفع؛ لأن نون الوقاية أتي بها لغرض خاص، وهو وقاية الفعل من الكسرة التي لا تدخله، والمأتي به لغرض لا ينبغي أن يحذف، ولأنه قد حذفت نون الرفع للضرورة - من غير الاتصال بياء المتكلم - في نحو قول الشاعر:

أبيت أسري وتبيتي تدلكي ... شعرك بالعنبر والمسك الذّكي

فإن الأصل أبيت أسري وتبيتين تدلكين شعرك - إلخ ومثل ذلك قول الشاعر، وهو مما ينسب إلى امرئ القيس، وينسب لكليب بن ربيعة وينسب لغيرهما:

يا لك من قبّرة بمعمر ... خلا لك الجوّ فبيضي واصفري

ونقّري ما شئت أن تنقّري ... فد رفع الفخّ فما ذا تحذري

أصله «فما ذا تحذرين» فحذف نون الرفع حين اضطر.

ونظيره قول أبي حية النميري:

أبا لموت الّذي لا بدّ أنّي ... ملاق - لا أباك - تخوّفيني

أصله «تخوفينني» فحذف نون الرفع حين اضطر، ولذلك نظائر كثيرة لا تنحصر.