العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم،

أحمد بن الحسن القاسمي (المتوفى: 1375 هـ)

فصل في الاختيار والكسب

صفحة 180 - الجزء 1

  الاعتبار بفعل الغير وإلا عم الفعل غير الفاعل، فكان فعل الواحد طاعة ومعصية لكثيرين إذ اعتبروهما في فعله فأثيبوا وعوقبوا بفعل غيرهم، وذلك باطل بضرورة العقل والنقل، وإن كان الكسب أمراً وجودياً متميزاً فهو كون آخر، والمفروض أن ليس هناك إلا كون واحد أثر في الأثر، والعبد لا يقدر على الكون أو غير متميز بل مقدور بين قادرين اجتمع فيه النقيضان الوجوب بإيجاب القدرة، والجواز باختيار الكسب وانتفاء المشاركة بينهما فيه إن استقل به أحدهما لما تقدم من أن الموجب مستقل بالتأثير، وغيره طرد في المؤثر.

  واعلم أن السنية فرضوا أن مشتهيات أنفسهم واقعة بقدرة الله كأهل الجنة على أنه يشكل من قولهم أن يقال: إذا خلق الله الاعتبار الاختياري بزعمكم ولم يخلق الفعل، فهل يثاب العبد على ذلك الاعتبار ويعاقب أم لا؟ الأول باطل لما روي مرفوعاً: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها»⁣(⁣١) الخبر، ومفهوم قوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}⁣[الشورى: ٣٠] {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}⁣[الأحقاف: ١٤] فتعين الثاني ووجب أن لا مؤاخذة به، وبذلك بطل الكسب.

  فإن قيل: إنه لا يقع الاعتبار إلا ويخلق الفعل، لزم أن خلق الاعتبار موجب لخلق


(١) صحيح مسلم ١/ ١١٦، صحيح البخاري ٥/ ٢٠٢٠، ٦/ ٢٤٥٤، صحيح ابن خزيمة ٢/ ٥٢، صحيح ابن حبان ١٠/ ١٧٨، المسند المستخرج على صحيح مسلم ١/ ١٩٥، ١٩٦، مسند أبي عوانة ١، ١/ ٧٤، سنن الترمذي ٣/ ٤٨٩، مجمع الزوائد ٦/ ٢٥٠، سنن البيهقي الكبرى ٢/ ٣٤٩، ٧/ ٢٠٩، ٢٩٨، ٣٥٠، ١٠/ ٦١، سنن الدار قطني ٤/ ١٧١، سنن أبي داود ٢/ ٢٦٤، السنن الكبرى ٣/ ٣٦٠، سنن النسائي (المجتبى) ٦/ ١٥٦، سنن ابن ماجة ١/ ٦٥٨، مصنف ابن أبي شيبة ٤/ ٨٥، معتصر المختصر ٢/ ٢٩٦، مسند أحمد ٢/ ٣٩٣، ٤٢٥، ٤٧٤.