فصل في الاختيار والكسب
  الفعل، وأنتم تقولون: لا يجب على الله واجب أو عدم الاختيار في أفعاله، وذلك كفر ويرد عليهم إشكال أن علم الله وإرادته أزلاً بوقوع الفعل يستلزمان أن العبد يفعل الفعل لا باختياره البتة؛ إذ العلم أن يكون صفة بها الانكشاف إلا أن الإرادة صفة بها التخصيص على وفق العلم ففعل العبد واجب الوجود أو ممتنع الحصول لغيره وهذا ينافي الاختيار.
  وأجيب: بأن الوجوب باختيار العبد محقق لاختياره لا مناف له.
  وأجيب عنه: إذا كان العلم سابقاً محققاً لاختياره وجب الوجود أو عدمه على مقتضى جريه وذلك المطلوب، أو سبباً للمعلوم فكذلك لئلا ينكشف خلافه ولا يلزم في أفعال الله لوجود المخصص عقلاً وشرعاً؛ لأن الكلام في لازم الوقوع وواجب الوجود موجب لنفي الاختيار، لئلا ينكشف خلاف العلم أو يلزم ثبوت المعلوم في الأزل، فوضح لزوم الجبر وعدم الاختيار كما صرح بذلك خرِّيتهم ابن الخطيب في (مفاتيح الغيب) والبيجوري على (الجوهرة).
  قال أبو المعالي في مقدمات كتاب (البرهان): إن الكسب تمويه؛ لأن المكلف هو المتمكن، وأن التكليف لا يكون إلا بالممكن وأن تكليف ما لا يطاق باطل، وأبو إسحاق لا يوافق الأشاعرة على هذا، وقد تصلف السيد محمد بن إبراهيم في (إيثار الحق) في تنزيه الأشاعرة وأهل الحديث حتى تكلف لهم مذاهب لم ينصوا عليها، كما روى عن ابن تيمية أنه أثبت للعبد قدرة مؤثرة في الفعل، وجوابه على الذمي منادي بكذب هذه الرواية، فلهذا تحرينا نقل كلامهم من مصنفاتهم لئلا ننسب إلى التمويه، كما أن السيد محمد ينقل عن المعتزلة من كتب خصومهم ما لم يقولوا به، وكذلك بعض أصحابنا فإنهم نقلوا عنهم من