الجدال
  في القرآن من الحجج البليغة.
  وإن قال: إنه قد أجاب بما يقتضيه المقام، فهو المطلوب، وعرفت أن تمنى السنن من الأباطيل وأنه حمل القرآن على غير محمله، أليس في آخرها: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ}[آل عمران: ٢٠] والبلاغ إبلاغ جميع الحجج كما قد ورد كثير غير قليل.
  منتك نفسك في الخلا ... باطلا
  وأما قوله: إنه لم يكن من النبي ÷ إلا مجرد الدعاء، فإن زعم أن ذلك قوله: أسلموا تهتدوا. لا غير، فقد ورد النقل المتواتر ونسب رسول الله ÷ إلى عدم التبليغ، وإن قال: بلى دعاهم بما في القرآن من حجج، فأمر مفروغ منه وهو المطلوب، فإن القرآن لم يترك شيئاً يقتضيه المقام مع كل مناظرة إلا وقد أتى عليه إما صريح أو إشارة، ألا ترى ترتيب نزوله، فالمكي في محاجة المشركين والاحتجاج على التوحيد وقياس النشأة الأخرى على الأولى، والمدني في محاجة أهل الكتاب والمنافقين وتعليم شرائع الإسلام، وكفانا دليل على الحجج العقلية وصحتها قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر: ٢] وغيرها ما يقتضي معناها، وأكثر الخطاب القرآني موجه إلى ذوي الألباب وعلم الكلام من تفسير القرآن كما أن التفاسير قد ملأت الآفاق، وكذلك كتب الفقه هل هي إلا ثمرة الكتاب والسنة وجميع كتب الأدب مما يحتاج إليها القارئ في تفسير القرآن، فهل زاد أهل الحديث منهم هذا الخبر السيد محمد | على أن نسب النبي ÷ وأصحابه إلى الجهل وقاسهم بأهل الحديث العمي القلوب، ضعفاء الأحلام، وسفهاء الأنام، كم يحملون من الآثام من جرح الأئمة الأعلام، كأنهم الحكام على دين الله والذي شافهوا رسول الله ÷ فعرفوه حين