الجدال
  منكم {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة: ٧٩] ... إلى أن قال: فتأسوا رحمكم الله بمن تقدم من المؤمنين في الإعراض عن المستهزئين {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ١٥ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}[البقرة: ١٥ - ١٦] إلى آخر كلامه نثراً وشعراً من هذا القبيل من الافتخار بالجرح والتعديل، ومدح كامل ابن عدي وميزان الذهبي، ومدح المحدثين وأنهم لا يأخذون في أصولهم إلا بالقطعيات وفي فروعهم بالمظنون مع المدح للقرآن العزيز.
  أقول: إذا تأملت أيدك الله لما سبق، عرفت أنه ذم أهل الكلام لكونهم كفروا الناس، ثم خلفهم إلى ما نهاهم عنه، ألا ترى إلى ما أملى من أنهم اشتروا الضلالة بالهدى، ثم مدح الكامل لابن عدي والميزان للذهبي مع علمه أنهما جرحا من لا يستحق الجرح من أئمة المسلمين وخالفا قوله تعالى: {لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ}[النساء: ١٤٨] وكم تناولوا بالقبيح من لا يحصى من المؤمنين.
  وأما دعواه أنهم يأخذون في العقائد بالقواطع وفي العمليات بالمظنون فدعوى لا برهان عليها يعرف ذلك من وقف على حججهم وأقوالهم، وقد قدمنا شطراً من ذلك من كتبهم ليثق الناظر فلا يغتر بهذه الدعوى إلا من لم يمارس أقوالهم ويتطلع على شبههم ودعواهم أن السلف أئمتهم فقد عينت لك سلفهم الذين إليهم يؤول كلامهم وعليهم يعولون في إشاراتهم، وأما الصحابة فهم بمعزل عن أقوالهم.
  وأما دعواهم أنهم أتباع النصوص فإنما عنوا بذلك الآثار المجملات المتقدمة في فنون كلامهم، ومن السنة الآحاد التي تلقفوها عن القصاص والطلقاء وأهل السهو ومن داخل