[دحض حجة إباحة الأموال الملتبسة في دولة الظلمة]
  سبحانه بالجهاد فقال: {وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: ٧٨]، والجهاد أشق من ترجيح الحظر على الإباحة؛ لأنه تبذل فيه النفس وتخاف به فراق الروح الجسد، وتأيّم الحلائل ويتم البنين، وذلك مما تكرهه النفوس وتستشقه قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}[البقرة: ٢١٦].
  ومعنى قوله تعالى: {يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفِفَ عَنْكُمْ}[النساء: ٢٨] مقصور على الترخيص في تزويج الإماء عند العنت، وعدم الاستطاعة من نكاح الحرائر يدل على ذلك سياق الكلام [قبله](١) وهو قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ...}[النساء: ٢٥] إلى آخره، وأيضاً قد أمر الله بالصبر في(٢) قوله تعالى: و {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا}[آل عمران: ٢٠٠] وقال تعالى: {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر: ١ - ٣]، وليس الصبر إلا على ما تكره النفوس.
  وفي الحديث عنه صلى الله عليه وآله: «حُفّت الجنة بالمكاره»(٣) وترجيح الإباحة على الحظر لا كره فيه ضرورة، فلو كان المراد بقوله تعالى: {يُرِيدُ الله أَنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ ...}[النساء: ٢٨] الآية ترجيح الإباحة على الحظر لذهبت هذه الأدلة، وما تقدمها من الأدلة القاضية بتحريم المشتبه لغواً، وذلك لا يأتي في كلام حكيم البتة؛ ولأن ترجيح الإباحة على الحظر مما تهواه النفوس؛ لأنه
(١) سقط من (ب).
(٢) في (أ): نحو.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده (٣/ ١٥٣، ٢٥٤، ٢٨٤)، وأبو يعلى (٦/ ٣٣) برقم (٣٢٧٥)، ومسلم برقم (٢٨٢٢)، والترمذي برقم (٢٥٦٢)، وابن حبان في الإحسان (٢/ ٤٩٢) برقم (٧١٦، ٧١٨)، والدارمي (٢/ ٢١٩) عن ثابت، وحميد عن أنس، وأخرجه البغوي في شرح السنة (٤١١٤) من طريق عفان، انظر بقية تخريجه في كتاب (الاعتبار وسلوة العارفين ص ٤٨٧).