مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[تفسير قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ...]

صفحة 201 - الجزء 1

  تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا}⁣[إبراهيم: ٣٤]؛ ولأن ملكاً لو مُنع شربة من⁣(⁣١) ماء عندما يشتد به العطش لا يبعد أن يشتريها بجميع مملكته، ولو كانت كملك سليمان لا سيما إذا علم أنه لا يقبض روحه مع العطش إلا بعد دهر طويل، فإذا كانت شربة أو أقل تساوي ملك الدنيا عند شدة الحاجة إليها فما ظنك بالعمل اليسير! وقد نشاهد كثيراً من يجهد⁣(⁣٢) يومه في الفلاحة وغيرها في مقابلة ما يساوي ربع قفلة ودون ذلك.

  والدليل على أن السوابق في مقابلة ما ذكرناه قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}⁣[سبأ: ١٣]، وهذا مما لا يختلف باختلاف الشرائع؛ [لأن شكر الله في الجملة لا يختلف باختلاف الشرائع]⁣(⁣٣) بالإجماع وذلك من الشكر بنص الآية، ولأن الله سبحانه قد أمر بالاقتداء بالأنبياء À وآبائهم وإخوانهم وذرياتهم كما مر وآل داود منهم، وقد شهد بصحة ذلك⁣(⁣٤) رصين العقل، ألا ترى أن العقلاء يذمون العبد إذا أخل بامتثال أمر مالكه المنعم عليه لمكان الملك والنعمة وهذا من ذاك! فلما ثبت أن السوابق في مقابلة بعض النعم كانت المعصية قد قابل بها عبد السوء ربه في مقابلة نعمٍ لا تحصى⁣(⁣٥)، هذا إن سلمنا قبول السوابق مع ذلك، وإلا فالله سبحانه قد أخبر بأنها تحبط مع ذلك حيث قال تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ}⁣[الحجرات: ٢]، وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}⁣[الفرقان: ٢٣] وليس معنى ذلك إلا عدم قبول الأعمال.


(١) من: زيادة من (ب).

(٢) في (ب): يجتهد.

(٣) ما بين المعكوفين: سقط من (ب).

(٤) في (ب): وقد شهد بذلك.

(٥) في (ب): لا تحصر.