مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[الاختلاف في اشتراط الأدلة القطعية]

صفحة 32 - الجزء 1

  انتقض الاستدلال بالمعلوم، ألا ترى أن دليل العمل بالشهادة معلوم! وهو قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ...}⁣[البقرة: ٢٨٢] الآية ونحوها، وذلك يقضي بصحتها قطعاً، ويخرجها من دائرة الظن إلى دائرة العلم في الظاهر، وكذلك أدلة الأحكام لا تصح عندنا إلا إذا قضى بصحتها الدليل المعلوم، وأخرجها من حيز الظن إلى حيز العلم؛ لئلا نقول على الله ما لا نعلم.

  وأما التفصيلي: فخبر عبدالرحمن لم يكن متحداً بروايته؛ لأنا قد روينا بالإسناد الموثوق به إلى علي # أنه قال: (لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف، وأما مشركوا العجم فتؤخذ منهم الجزية)⁣(⁣١)، والمجوس من مشركي العجم.

  وروينا عن النبي صلى الله عليه وآله: «أنه قَبِلَ الجزية، من مجوس هجر»⁣(⁣٢)؛ ولأن خبر عبدالرحمن ليس فيه أن الصحابة لم يعرفوا ذلك كلهم إلا من جهته.

  وأما كتاب عمرو بن حزم، فإنهم لم يعملوا به؛ حتى عرفوا أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كتبه له، وقد يحصل العلم بمثل ذلك إذا عرف الخط ولم يخرج عن أيدي أهل الصدق، وكَكُتب الأئمة، والملوك إلى الأمراء والعمال وغيرهم، فإنهم يقطعون عند وصولها إليهم أنها من أهل أمرهم بانضمام قرينة العلامة والختم وخوف متحمليها من أهل الأمر أن ينكِّلوا بهم لو زوّروها، والناس في كل عصر يقطعون بصحة ما شأنه


(١) أخرجه الإمام الأعظم زيد بن علي @، في المجموع الحديثي والفقهي ص ٢٤٠ برقم (٥٤٥) باب العهد والذمة، بسنده عن أبيه عن جده عن علي $.

(٢) هجر، هو الاسم القديم للبحرين، والحديث رواه العلامة أحمد بن يوسف زبارة في أنوار التمام ٥/ ٤٦٤، وعزاه إلى الشفاء للأمير الحسين بن بدر الدين، عن عبد الرحمن بن عوف «أن النبي ÷ أخذ الجزية عن مجوس هجر».