مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[قول الهادي # في الهجرة]

صفحة 341 - الجزء 1

  يستوجبون به الثواب الجزيل والسلامة من العذاب الأليم من الصبر على بلاء الله والرضا بما قسم الله، ويمحق الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، حتى يحصل منهم ما يستوجبون به النكال والخلود في النار من عدم الصبر على بلاء الله وترك الرضا بماقسم الله، والانقلاب على الأعقاب.

  فإن قيل: إنك قد ذكرت أن الله سبحانه يوسع على المهاجرين في سبيل الله، واحتججت بالآيتين⁣(⁣١) المتقدم ذكرهما، وذكرت هنا أنه قد يقع القصور في المعيشة ابتلاءً من الله تعالى.

  قلت وبالله التوفيق: إن المعنى في ذلك أن الله تعالى متى علم وقوع الصبر على بلائه والرضا بقسمته⁣(⁣٢) وسع على عبيده المخلصين ليجمع لهم بين النعمتين الثواب على الصبر والرضا، والتوسعة في الأرزاق في الدنيا، فيكون جمعاً بين خيري الدنيا والآخرة.

  والذي يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي الله مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلاََجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ٤١ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}⁣[النحل: ٤١ - ٤٢] [فقال تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُوا}]⁣(⁣٣) وليس الصبر إلا على ما يتحمل من المشاق، وذلك منها، فتأمل.

  وقوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ}⁣[آل عمران: ١٤٦] إلى قوله تعالى: {فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}⁣[آل عمران: ١٤٨] فقال تعالى: {فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ} والفاء للتعقيب، والمعنى: أن الله سبحانه آتاهم ذلك بعد الصبر، وأيضاً أن من


(١) في (ب): بالآيتين اللتين تقدم ذكرهما.

(٢) في (أ): بقسمه.

(٣) ما بين المعكوفين: سقط من (ب).