مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[قول الهادي # في الهجرة]

صفحة 342 - الجزء 1

  المعلوم لمن بحث في⁣(⁣١) السير أن المهاجرين من أصحاب رسول الله ÷ لم يقع لهم الرخاء إلا بعد الشدة والبلاء، شهد بذلك قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ... الآية}⁣[البقرة: ٢١٤].

  وقال علي # في بعض خطبه: (فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها، واحلولت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأسهلت له الصعاب بعد انصبابها⁣(⁣٢)، وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدبت⁣(⁣٣) عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها)⁣(⁣٤).

  وقالوا: إن أكثر الناس على ذلك، ومن البعيد أن يكونوا على الخطأ، ومن لا يكاد يوجد إلا على سبيل الندرة على الصواب!

  قلت وبالله التوفيق: قد تبين بحمد الله الحجة على ذلك من الكتاب والسنة، وإجماع العترة $ والعقل أيضاً قاضٍ على أن الإعانة على القبيح قبيحة، والكثرة لا تأثير لها في إبطال حجج الله سبحانه لا سيما وقد قال تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}⁣[الأعراف: ١٠٢] وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين}⁣[يوسف: ١٠٣] وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}⁣[الأنعام: ١١٦].

  وقال ÷: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً»⁣(⁣٥)، ولعل هذا الخبر لا


(١) في: سقط من (أ).

(٢) الإنصباب مصدر بمعنى الإتعاب.

(٣) في (ب): وتجلبت.

(٤) نهج البلاغة (٢/ ٤٥٧).

(٥) الحديث أخرجه أبو طالب في أماليه ص ٢٣٢. باب ذكر الإيمان وخصاله وأخلاق المؤمن، وأخرجه أحمد في مسنده ٤٥/ ٧٣، وأخرجه مسلم في صحيحه ١/ ١٣٠، وهو في كنز العمال برقم (١٢٠١) وهو فيه بلفظ: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً».