[قول الهادي # في الهجرة]
  المعلوم لمن بحث في(١) السير أن المهاجرين من أصحاب رسول الله ÷ لم يقع لهم الرخاء إلا بعد الشدة والبلاء، شهد بذلك قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ... الآية}[البقرة: ٢١٤].
  وقال علي # في بعض خطبه: (فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوها، واحلولت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأسهلت له الصعاب بعد انصبابها(٢)، وهطلت عليه الكرامة بعد قحوطها، وتحدبت(٣) عليه الرحمة بعد نفورها، وتفجرت عليه النعم بعد نضوبها، ووبلت عليه البركة بعد إرذاذها)(٤).
  وقالوا: إن أكثر الناس على ذلك، ومن البعيد أن يكونوا على الخطأ، ومن لا يكاد يوجد إلا على سبيل الندرة على الصواب!
  قلت وبالله التوفيق: قد تبين بحمد الله الحجة على ذلك من الكتاب والسنة، وإجماع العترة $ والعقل أيضاً قاضٍ على أن الإعانة على القبيح قبيحة، والكثرة لا تأثير لها في إبطال حجج الله سبحانه لا سيما وقد قال تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَِكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ}[الأعراف: ١٠٢] وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِين}[يوسف: ١٠٣] وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[الأنعام: ١١٦].
  وقال ÷: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً»(٥)، ولعل هذا الخبر لا
(١) في: سقط من (أ).
(٢) الإنصباب مصدر بمعنى الإتعاب.
(٣) في (ب): وتجلبت.
(٤) نهج البلاغة (٢/ ٤٥٧).
(٥) الحديث أخرجه أبو طالب في أماليه ص ٢٣٢. باب ذكر الإيمان وخصاله وأخلاق المؤمن، وأخرجه أحمد في مسنده ٤٥/ ٧٣، وأخرجه مسلم في صحيحه ١/ ١٣٠، وهو في كنز العمال برقم (١٢٠١) وهو فيه بلفظ: «إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً».