مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (القسم الأول)،

القاسم بن محمد بن علي (المتوفى: 1029 هـ)

[قول الهادي # في الهجرة]

صفحة 352 - الجزء 1

  هِيَ الْمَأْوَى}⁣[النازعات: ٣٧ - ٣٩]، اذكروا انقطاع اللذات وبقاء التبعات، وانظروا في أثر الماضين واستنطقوها عن أخبارهم تخبركم والله بلسان الحال، إنهم أفردوا عن دنياهم إلى القبور وتركوا ورائهم الذخائر والقصور، فلم يدفع عنهم شيئاً مما نزل بهم من معضلات الأمور، وعلموا بعد ذلك أنه لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

  قال أمير المؤمنين كرم الله وجهه في الجنة في بعض خطبه: (ألا وإن هذه الدنيا التي أصبحتم تتمنونها وترغبون إليها⁣(⁣١) وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم، ولا منزلكم الذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه، ألا وإنها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، وهي وإن غرتكم فقد حذرتكم شرها، فدعوا غرورها لتحذيرها، وأطماعها لتخويفها، وسابقوا فيها إلى الدار التي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها، ولا يخنن أحدكم خنين الأمة على ما زوي عنه منها، واستتموا نعمة الله عليكم بالصبر على طاعة الله والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه، ألا وإنه لايضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم)⁣(⁣٢).

  وقال علي # في خطبة أخرى: (وأيم الله ما كان قوم قط في غض نعمة من عيش فزال عنهم إلا بذنوب اجترحوها؛ لأن الله ليس بظلام للعبيد)⁣(⁣٣).

  قلت وبالله التوفيق: ومما يشهد بصحة ذلك قوله تعالى: {أَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}⁣[الأنفال: ٥٣] أفلا تخافون زوال دنياكم لذنوبٍ قوّمتم بها عمود الجور والفساد، وأقمتم بها


(١) في النهج: فيها.

(٢) نهج البلاغة، خطبة رقم (١٧٣) - منشورات دار المعرفة - بيروت - لبنان.

(٣) نهج البلاغة. خطبة رقم (١٧٨) - منشورات دار المعرفة - بيروت - لبنان.