مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[الروافض والنواصب]

صفحة 116 - الجزء 1

  لكل موصوف صفة، ما وافق فيها كان مثالها، فمن وصف الإمام بصفة النبي لم يعرفهما جميعا، ومن أجاز صفة أمراء الفجور بصفة أمراء البر، نسب أن الله ø أمر بطاعةِ مَن عصاه، وهذا كفر.

  فتأمل أصول ما فسرت لك من كتابي هذا، تعلم الحق على صحته، فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # قال: «يا حارث، أعرف الحق تعرف أهله، فإن الحق لا يعرف بالرجال».

  ألا ترى أن لكل شيء من أمر الدنيا والدين له صفة يختص بها، ما شاركه فيها كان مثله، وما خالفه لم يكن مثله، كالصلاة والحج، والطهارة والصيام، والزكاة وغير ذلك، وكل فرض منه له صفة معلومة، فمن فعل الحج كان حاجا، ومن فعل الحج معه كان مثله، وكذلك سائرها تجري مجراها، كذلك أمور الفسق والسرق والزنا، وكذلك الرمان والعنب والتمر والعسل، فمن لم يُعرِّف شيئا منها قبح أن يأمره بفعله، إلا أن يعلمه إياه، ففي فهمه إياه ومُكْنَته منه وعلمه، حسن أن يأمره وينهاه، فلو قلت لمن لا يعرف الرمان: اشتر لي رمانا، لكنت قد ظلمته وظلمت نفسك، وما جرى على هذا المثال جميع ما في هذه الدنيا.

  فالعلم بالشيء قبل الأمر به، والعلم أولى بكل ذي عقل، وفي هذا كفاية لمن قبل، فأما من عاند وآثر الدنيا، فهو كما قال الله تعالى: {وَلَو أَنَّنا نَزَّلنا إِلَيهِمُ المَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ المَوتى وَحَشَرنا عَلَيهِم كُلَّ شَيءٍ قُبُلًا ما كانوا لِيُؤمِنوا}⁣[الأنعام: ١١١]، وذلك لفساد قلوبهم، واتباع أهوائهم، وتقليد آبائهم، وإيثار الهوى، لقل الطاعة والتقى، ومن أراد محلا محصنا،