مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[العدل]

صفحة 12 - الجزء 1

  فمعرفة الله سبحانه بما هو عليه ولا يزال معروفا به في الدنيا والآخرة من الرأفة لعباده والرحمة، وما لم يزل عليه ولا يزال من العدل والإحسان والحكمة، وما نزل الله سبحانه من صفاته بذلك في مثل ما ذكرنا من آياته المحكمة، ينفي عن الله سبحانه كل جور، قليل أو كثير، وتنزيهه تعالى من كل مظلمة. وكيف يجور أو يظلم أحكم الحاكمين؟! وقد تبرأ من ذلك في جميع كتبه التي أنزلها على المرسلين، كيف وهو المعروف عند كل خلقه بالحلم والعفو الذي فاق عفوه وحلمه كل عفو وحلم كل حليم؟! كيف سبحانه وقد جازت رحمته ورأفته رأفة الآباء والأمهات ورحمة كل رحيم؟! وكيف يتوهم مَن عقل أن الله تبارك وتعالى في حكمته وعدله، وما تعرَّف به إلى عباده من رحمته ورأفته وفضله، يدعو عباده إلى الإيمان به والطاعة له، ثم يحول بينهم وبين ما دعاهم إليه، بأن يقضي ويقدر على من دعاه إلى الطاعة المعاصي والمنكرات، وقضاؤه وقدره فعلٌ منه بإرادة واختيار، لأن من قدَّر وقضى ما كره وما عنه نهى وهو لا يريده، فلن يكون ذلك منه إلا على الإكراه من غيره له والاضطرار، والله تبارك وتعالى فهو الحكيم القادر، الذي لا يفعل أبدا فيما بقي من الدهور ولا فيما مضى إلا ما يريده، والله سبحانه لا يريد أبدا إلا ما يرضى ويحب، ولا يحب أبدا ولا يرضى ما سخطه ونهى عنه، ولا يقدِّر شيئا من المنكر على عباده، بل منعهم بالنهي عنه.

  كيف وقد نزَّل كتبه؟! وبعث إلى خلقه رسله؟! يأمر بالطاعة والبر والإيمان، وينهى عباده كلهم عن الكبائر والفواحش والعصيان، ثم يقدِّر ويقضي على عباده ما نهاهم عنه من الفجور والفحشاء والغي، إن هذا مِن قول مَن قال به لافتراء على الله سبحانه عظيم، لا يتوهمه من يعرف الله سبحانه بعدله وكرمه وجلاله، ورأفته وإحسانه وعظمته، وإن كل جور عنده مسخوط ذميم.