مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الإيمان

صفحة 156 - الجزء 1

  على تقصيرهم خسروا الدنيا والآخرة، فسالت دموعهوعهم عند ذلك خوفا وحذرا من سخط خالقهم، وأجهدوا له أنفسهم، واستقلوا له استفراغ كل جهدهم طمعا في قبوله لهم، فهم بين خوف ورجاء، خوفا من أنفسهم وذنوبهم، ورجاء لتفضل خالقهم.

  فهذه صفة أهل الخوف والإشفاق والحذر مع دوام الطاعة، ومن كان كذلك منهم لم يكد يفتر عن طاعة الله، ولم يدخله العجب في عمله، ولم يستكثر لله عناية اجتهاد، والدليل على خوف الإشفاق على الأعمال أنه حق واجب، وأنه أعلى الخوف درجة، قول الله تبارك وتعالى حين ذكر أهل الجنة فقال: {وَأَقبَلَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ يَتَساءَلونَ ٢٥ قالوا إِنّا كُنّا قَبلُ في أَهلِنا مُشفِقينَ ٢٦ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَينا وَوَقانا عَذابَ السَّمومِ ٢٧}⁣[الطور: ٢٥ - ٢٧]، أي: من الذنوب تاركين لها، مجدين بالأعمال الصالحات، مشفقين ألا يقبل منا، فمنَّ الله علينا فنعم أجر العاملين، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وقوله تعالى: {يوفونَ بِالنَّذرِ وَيَخافونَ يَومًا كانَ شَرُّهُ مُستَطيرًا}⁣[الإنسان: ٧]، وقوله: {إِنَّما يَخشَى اللَّهَ مِن عِبادِهِ العُلَماءُ}⁣[فاطر: ٢٨]، وقال تبارك وتعالى: {يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ}⁣[المؤمنون: ٦٠]، قال الحسن: يعملون ما عملوا من أعمال وجوه، البر وهم يخافون أن لن ينجيهم ذلك من عذاب الله.

  وروي عن النبي ÷ أنه قال لجبريل #: «إني أخاف، قال له جبريل: وأنا أخاف»، وقول أبي بكر: «بين يدي عقبة كؤود، فإن أنا قطعتها لم يضرك ما قلت»، وقول عمر لحذيفة: «أنشدك