باب الزهادة
  للقلب عن الدنيا وما فيها، فبغض لأهل الطلب لها لا يريدها، ولا يحبها إذ لم يحبها مولاه له ولا خلقه لها، وإنما يحب غيرها التي خلق لها، فهو لا يأكل الأطعمة للذتها، ولا يلبس إلا الفضل من زينتها، ولا يريد إلا الكفاف منها والبلغة إلى الآخرة، فإن تطلعت نفسه إلى غير ذلك عده نقصا، ورجع عليها باللوم والتوبيخ لها، وقد اتخذها وأقامها عند نفسه كالدواء للمريض الذي إذا أخذ منه فوق قدر حاجته قتله، فقد أنزل الدنيا بمنزلة السم الذي إذا أكله من لم يعرفه قتله، فهو لا يأخذ منه إلا ما يقيم رمقه ويدفع عادية مرضية، ولو برئ المريض بغير دواء لكان أحب إليه، كما قال أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «ما قل وكفى خير مما كثر وألهى»، وكذلك القانع إن اكتفى بقليل الغداء كان أحب إليه، كما روى عن النبي أبو الدرداء الحديث، فجعل النبي صلى الله عليه وآله الكفاية مع القلة والزهد في الدنيا كله هو التهاون بها، وعزوف النفس عن تمكينها، فإذا وصل العبد إلى التهاون بالدنيا أورثه ذلك الدرجة العليا والمنزلة الكبرى، وهو