باب الترقب
  الله، فإذا وصل العبد إلى مراقبة الله عند خطرات القلوب أورثه ذلك الحياء من الله، وذلك أن خطرات القلوب على جهتين:
  خطرة من الله منبهة تخطر القلب وهي الداعية إلى الطاعة.
  والخطرة الثانية خطرة الوسوسة وهي إلقاء من الشيطان امتحان من الله وبلوى، وأهل المراقبة لله في خطرات قلوبهم تستحي قلوبهم وأنفسهم من الله عند خطرة الطاعة أن يراهم الله غافلين عن قبول ما خطر بقلوبهم، أو نقصوا عن اعتقاد ذلك، إذا كان ذلك منًّا من الله منَّ به عليهم، فأوصل ذلك إلى قلوبهم، فهم يستحيون من الله أن يكون عرض عليهم شيئا يحبه لهم ووهبه إياهم فتأباه قلوبهم، فيزول بذلك عنهم مراقبة ربهم في كل ما أحبه لهم وخصهم به من فوائده، وأهدى إليهم من ألطاف كرامته، فهم يقبلون ذلك بالمحبة له والرضا في أسرع من الطرف، حياء من الله وحباً له وإعظاما لما أهداه إليهم، وتعظيما لهديته وخوفا من المقت على ردها، فهم ولهون إليها، مراعون لأنفسهم في قبولها، مع ما ذكر لهم هنا من جزيل الثواب عاجلا وآجلا، كما قال ابن مسعود لمة من الملك ولمة ولمه من الشيطان، فأصل المراقبة لا يتركون لمة الشيطان تنبت في قلوبهم، يزيلونها بالخشية والإعظام لله تعالى وشده، الحياء منه، فلا يكون منهم عند ذلك تعمد لمعصية، وإنما تكون منهم على غير جهة العمد منهم، ثم يتوبون من قريب كما وصفهم الله تعالى فقال: {إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوا إِذا مَسَّهُم طائِفٌ مِنَ الشَّيطانِ تَذَكَّروا فَإِذا هُم مُبصِرونَ}[الأعراف: ٢٠١]، فرجعوا إلى الله بالاستغفار وتقربوا إليه بالإقلاع، شدة إعظام له وحياء منه، وتذكُّر [من] العظيم أياديه، وكثره منته وتواتر نعمه عاجلا وآجلا وقديما وحديثا.