باب الإيمان
  وعز أولى مَن أُجلَّ مقامه وروقب في أمره ونهيه. ويروى عن وهب بن منبه أنه قال: قال عيسى بن مريم: «يا بني إسرائيل استحيوا من الله كما تستحيون من الناس في علانيتكم».
  فإذا وصل العبد إلى حقيقة الحياء من الله أورثه الدرجة العليا، والمنزلة الكبرى، ومن الحياء أنهم يستحيون من الله في تقلبهم وقيامهم وقعودهم وحركاتهم وسكونهم، مما أبيح لهم حياء أشد حياؤهم من الله فيما لا بد لهم منه.
  فمن ذلك ما روى الزبير بن العوام قال: خطب أبو بكر الناس فقال: «أيها الناس استحيوا من الله فوالله ما دخلت الخلا منذ أسلمت إلا مقنعا الرأس حياء من ربي»، وقال ابن عمر: «إنه رأى رجلا أسود بفلاة من الأرض يلتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا ثم دخل إلى خراب وستر فوقه بثوب، قال ابن عمر: تستر على نفسك وليس أحد يراك؟! قال: أولا أستحيي من الله»، وقال عثمان بن عفان: «إني لأتعرى في الفضاء من الأرض فأحني صلبي على عورتي حياء من ربي».
  وأخبرنا علي بن الجعد، قال: حدثنا محبوب البصري، قال: سمعت الحسن يقول: «لقد أدركت أقواما ما طوي لأحد منهم ثوب قط، ولا اشتهى أحد منهم شهوة على أهله قط، ولا أمرهم بصنعة طعام قط، ولا قاسم أخاه ميراثا قط، وإن كان أحدهم ليرث الميراث مع أخيه فيقول له: لك كله، كي