باب الإيمان
  وأكثر احتماله! وعلام يصمت أعلى أن يسلم دينه ولا يخرجه القول إلى ما لا يحل له؟! وعلى علم هو مكتفي به، لا علم طلب به الرئاسة، والرئاسة بالحلم والكظم للغيظ والإحتمال والصبر.
  وكذلك يجب على العبد في كل أحواله من أخذه وعطائه، وحبه وبغضه، وقبضه وبسطه، أن يرى نفسه لله بالمراقبة وشدة الحياء منه، إلا أن تكون منزلة عنده من ذكر أقل من منزلة مخلوق مثله، فإن المخلوق أقل ما يوجب لبعض عظماء الدنيا إذا علم منه أنه يعلم موارد أموره ومصادرها، ويتفقد ذلك عليه، وهو ممن يحب أن يتقرب إليه ببعض عمله، ويعلم منه أن لا يقبل منه شيئا من تقربه إلا ما كان له خالصا، فإنه لا يقصر عند ذلك في غاية النصيحة والتفقيه لما يكون منه في ظاهره وباطنه، فيجب على أهل المعرفة بالله أن يكون الله عندهم بأعلى منزلة وأشد هيبة وأكثر إجلالا وأخلص محبة عند جميع خلقه، إذ كان هو المستحق لذلك دون من سواه، وأقل ما يجب على من علم أن الله بأمره عالم وعلى عقوبته قادر أن يكون منه على حذر، ويقوده علمه إلى الزهد فيما يفنى، والرغبة فيما يبقى.
  وخلة أخرى من الحياء من الله لأن لا يرى قلوبهم ترجو غيره، أو تخاف غيره، كما قال عامر بن قيس بن عبد الله العنبري، وعمر بن عتبة بن قرقد كلاهما قالا: «إنا لنستحيي من الله أن نخاف شيئا سواه». والأخبار في ذلك تكثر.
  فلما هاج الحياء منهم استحيوا من الله فيما أطلق من الطعام والشراب واللباس وغير ذلك، أن يشتغلوا بشيء منه إلا ما أوصلهم إلى طاعته، وكان عونا لهم