باب غايص الفهم
  وما أقام به من دلالته في سماواته وأرضه، فجلوا بذلك عن أنفسهم ظُلم العماية، وكانوا نورا يُستضاء بهم، وأئمة يقتدى بهم، فخصلوا الصعفة من حيرتهم، وكانوا دعاة إلى ربهم، وكانوا هم القُوام لله بقسطه في عبيده، المعبرين عن كتابة وسنة نبيه ÷، وعن حجج الله القائمة في سماواته وأرضه، وما بين ذلك من أصناف صنعه، فأولئك هم الذين أمر الله بطاعتهم، وهم العترة الطاهرين من ذرية نبيكم، وأقامهم أئمة يهدون بأمره، وأمر الخلق كلهم أن يسألوهم إذا جهلوا، وأن يردوا إليهم علم ما اختلفوا فيه، لأنهم أهل الإستنباط من أهل البحث والنظر، الذين أمر الله بالرد إليهم، بقوله ø: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم}[النساء: ٥٩]، قال مجاهد، وعطاء: «الفقهاء والعلماء من آل محمد». وقال: {فَاسأَلوا أَهلَ الذِّكرِ إِن كُنتُم لا تَعلَمونَ}[النحل: ٤٣، الأنبياء: ٧]، وقال تعالى: {وَلَو رَدّوهُ إِلَى الرَّسولِ وَإِلى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذينَ يَستَنبِطونَهُ مِنهُم}[النساء: ٨٣]، فهم الذين علموا علم الكتاب والسنة، وعرفوا مواقع حجج الله على خلقه في سماواته وأرضه، وكلما اختلف فيه خلقه، فأورثهم العلمُ بذلك غايص الفهم، وكلما نزلت نازلة من خبر شبهة، وإحداث بدعة، رجعوا إلى كتاب الله وسنة نبيه والحجج القائمة، فغاصوا بالفهم فوجدوا ذلك كذلك باستنباط