مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الجهاد

صفحة 263 - الجزء 1

  بنفسه عن نفسه، وبخل بنفسه على نفسه، وعير نفسه في نفسه، فذلك على الخسران والأسف لمن فهم عن ربه، وعلم لماذا خلقه؟ ولأي علة تعبَّده؟ وعلى أي سبيل أمره؟ ولأي نعمة عرَّضه؟ وذلك ما قال جل ثناؤه: {وَمَن يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ}⁣[التغابن: ١٦]، فعلى حد ما شرحنا تفسير قوله: «وهوى متبع وإعجاب كل ذا رأي برأيه»، في آفات العجب والرياء، وقد قدمنا ذلك بما فيه كفاية إن شاء الله.

  ثم ليعلم الفَهِم عن الله أنه قد خلف في زمان الذي عمل البر فيه قد غلبه اتباع الهوى، فليس يرى رجلا يعمل بشيء من الطاعة إلا رأيته متبعا لهواه، متطاولا بها على غيره، فمتى خولف هواه فيه رأيته قد خرج إلى العداوة والبغضاء! غضبا لهواه متغضبا له، لا يرجع إلى حلم في دين، ولا فيه لمروة وذلك معنى قول ابن مسعود: «العمل فيه تابع للهوى». ويروى عن عامر بن عبد الله العنبري أنه كان يقول لنفسه إذا قام بها من الليل فملَّت في القيام: «قومي يا مأوى كل سوء، فوالله لا زدتك رحف البعير»، والأخبار في ذلك تكثر.

  فمن مَنَّ الله عليه بمحاسبة نفسه، وقام لله عليها بقسطه، أعطاه الله القهر لها، وأعلاه بالظفر على هواها، فمده بالعلم المؤِّيد له في جهادها وجهاد عدوها، وعلم أنها له أعدى من عدوها، لأن عدوها لا يقدر على اضطهادها، فإنما بليته منها في اتباعها لما زيَّن لها عدوها، فأقام نفسه مقام المحارب لها، وتفرغ من كل شيء إلا من مجاهدتها، شدةَ حذرٍ منها، ولعلمه وشدة مطالبته لانتهاك حريمها، والوقوع في غيها، فإذا كان العبد كذلك، كان عبدا كيسا