مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 281 - الجزء 1

  قال الحسن: «قد والله رأيتهم فراش نار، وذياب طمع، يغدون بدرهمين ويروحون بدرهمين، يبيع أحدهم دينه شراء العبيد».

  وقال ابن مسعود: «يدخل أحدهم على الرجل ومعه دينه ويخرج من عنده وما معه من دينه لا قليل ولا كثير»، فهذه صفة أهل العلم الظاهر، الذين نظروا بظاهر أبصارهم إلى ظاهر الدنيا، وحجبوا قلوبهم عن أمور الآخرة الباطنة، وتركوا أمر الله من أجلهم فيهم.

  وأما أهل المعرفة بالله واليقين به، والفَهِمون عنه، فهم القائلون لله بالصدق في مواطن المحن، وهم الذين يؤثرون أمر الله على كل حال، من شدة أو رخاء، أو عافية أو بلاء، لا تأخذهم فيه لومة لائم، كما قال أبو ذر رحمة الله عليه: «إني لأرجو أن لا تأخذني في الله لومة لائم»، وقال الله سبحانه: {يُجاهِدونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَخافونَ لَومَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ}⁣[المائدة: ٥٤].

  وقال جابر بن عبد الله: «بايعنا رسول الله ÷ بيعة العقبة، وقلنا: يا نبي الله على ما نبايعك؟ فقال: على السمع والطاعة في المنشط والمكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وأن تمنعوني إذا قدمتُ عليكم بما تمنعون منه أنفسكم وأهاليكم، ولكم الجنة. فقام سعيد بن زرارة فقال: يا معشر الأنصار كفوا أيديكم، فإنا والله لم نضرب إليه من يثرب إلا ونحن نعلم أنه رسول الله حقا، وإن إخراجه اليوم قبل إخراجكم، ومفارقة العرب كافة، وإن كنتم على عض السيوف إذا أخذلكم وقتل أخياركم،