مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 292 - الجزء 1

  عليها إلا بمشقة، وقال طائفة: لو حفرنا لها الحفائر يوم الجمعة، فإذا كان يوم السبت وقعت في الحفائر ونأخذها يوم الأحد، ففعلوا فأثروا وكثرت أموالهم، فحين علم بهم قومهم قالوا: يا قوم اتقوا الله ولا تستحلوا صيد السمك، فأبوا أن يقبلوا منهم فافترقوا ثلاث فرق منهم:

  فمنهم من استحل صيد السمك السبت.

  ومنهم من نهاهم ولم يغير لهم وأقام معهم.

  والفرقة الثالث نهت واعتزلت، وقالوا: والله لا نناكحكم ولا نواكلكم ولا نسايركم حتى تتوبوا، فإنا نخشى أن ينزل بكم العذاب فيصيبنا معكم، وخرجوا من قريتهم، فقالت الفرقة التي نهت وأقامت: {لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقونَ}⁣[الأعراف: ١٦٤]، وقالوا: إما أن تتقوا وتتوبوا فيكتب لنا ثوابهم، وإما أن ينزل بهم العذاب فلا يصيبنا معهم. وقرأ ابن عباس حتى بلغ هذا الموضع: {فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَ ١٦٥ فَلَمّا عَتَوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ ١٦٦}⁣[الأعراف: ١٦٥ - ١٦٦]، قال ابن عباس: فكان أهل القرية الذين استحلوا صيد السبت يصبحون على خمورهم ولهوهم ولهم ضجة في القرية، فلما أراد الله بهم العقاب أصبحوا ذات يوم وليس لهم صوت يسمع ولا حركة، فقال بعضهم لبعض: لعل القوم أصبحوا على خمورهم ولهووهم فناموا، فلما تعالى النهار ولم يسمعوا لهم صوتان قال بعضهم لبعض: يا إخواننا إنا نخاف أن يكون قد نزل بهم العذاب، فأصعدوا رجلا من فوق السور، وكانت الأبواب مغلقة عليهم فلما أشرف عليهم نادى بأعلا صوته: يا إخوتاه هؤلاء إخوانكم قردة لها أذناب تعاووا،