مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 296 - الجزء 1

  وقال وهب بن منبه: «أوحى الله إلى جبريل # أن ائت قرية كذا وكذا فاخسف بهم، فضجت الملائكة وقالت: يا رب فيهم عبدك فلان - وليس هذا القول من الملائكة بسخط لقضاء الله، ولكن أرادوا بذلك الخبر عن الله، وهو مثل قوله: {إِنّي جاعِلٌ فِي الأَرضِ خَليفَةً قالوا أَتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها وَيَسفِكُ الدِّماءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنّي أَعلَمُ ما لا تَعلَمونَ}⁣[البقرة: ٣٠] - فلما ضجت الملائكة وقالوا ما قالوا، أوحى الله إلى جبريل: أن أسمعني صيحة أولهم فإنه لم يتغير وجهه غضبا لمحارمي»، والأخبار في ذلك تكثر. فهذا أحد الوجوه قد فسرناه.

  والوجه الثاني من الإنكار هو: الإنكار باللسان لمن لا يبلغ بأهل هذه الدرجة، وهو فرض عليه أن يعين أهل هذه الدرجة من أبناء الرسول، وأن يغضب لهم ويرد عنهم ما قيل فيهم من البهت والزور من غير ذلك، ولا يرضى بأن يُغتابوا ولا يُطعن عليهم لله، [إذ] كانوا قوامين لله بالقسط في عباده وبلاده، وقد رفع الله قدرهم ودرجاتهم عنده، بالقيام منهم بأمره، فمن ذلك ما قال الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا كونوا قَوّامينَ بِالقِسطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَو عَلى أَنفُسِكُم ...}⁣[النساء: ١٣٥] الآية، وقال تعالى: {وَاجتَنِبوا قَولَ الزّورِ}⁣[الحج: ٣٠] حقا لله غير مشركين به.

  وقال أبو سعيد الخدري: عن النبي #: «فمن لم يستطع باليد فباللسان»، وقال أبو هريرة: عن النبي ÷: «حق المسلم على أخيه المسلم خمس، إحداهن حفظه إذا غاب - يعني: يرد عنه الغيبة - والأربع: يعوده إذا مرض، ويشهد جنازته إذا مات، ويشمته إذا