مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

باب الفرق بين العقل والهوى

صفحة 316 - الجزء 1

  فَهِم عن الله ولم يعاند حجة خالقه، وإنما أردنا بما ذكرنا من الأدلة أسماء أهل الطهارة، وإيجاب الخلود في النار على العصاة من عباده المتهكين لمحارمه، الصادين عن سبيله، لما أوجب الله على خلقه مِن منعهم من ذلك بكل ما أمكنهم ووجدوا إليه سبيلا، إذا أيقنوا بعداوة الله لهم وإيجاب وعيده عليهم، ليكون أثبت ليقينهم، وأرسخ لعداوتهم في ذات الله، فلذلك ذكرنا هذه الجملة واقتصرنا عليها، وبالله نستعين على أمور الدنيا والدين.

  فلما ثبت ذلك بما شرحنا من حجج الله، كان واجبا على أهل اليقين المخالفة والإعظام لله ولمقامه وحدوده، الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، أن يعادوا من انتهك محارم الله وعطل حدوده، وبذر أمواله، واتخذ عباده خولا، وماله دولا، ودينه مهملا، وفيئهم نهبا، وعهده مريجا، دون المباينة له، ومنعه عن ظلمه، أو ابتزازه للإمامة المحكوم بها لغيره، بحكم الله وحكم رسوله، فإن راجع بهذا الإعذار والإنذار، وتاب وأناب كفوا عنه، وأقاموا عليه من حكم الله على قدر ما اجترحه في نفسه مِن قَتلِه إن كان قتل، وجلدِه إن كان زنا، وإقامة الحد عليه إن كان قذف، ورد ما احتجز من الظلامات على أهلها، وما سوى ذلك مما انتهك على ما حد الله عليه فيه ووقَّته. فإن لم يراجع ويرعوي بالقول ونأبذ الحرب وبغى على أهل الإسلام، وتسلط بالجبروت، وعلا بالقهر، ليجعل حكم الله وكلمته السفلى، وحكم الشيطان وكلمته العليا، استعمل فيه حكم الله بقوله ø: {وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اقتَتَلوا فَأَصلِحوا بَينَهُما فَإِن بَغَت إِحداهُما عَلَى الأُخرى ...}⁣[الحجرات: ٩] الآية، فالواجب على من فَهِم عن الله أمره، وقام لله