[حب الله شكر لنعمه]
  طاعته، وإغفالنا ذكره، ولو لا فضله وحلمه ورأفته وكرمه، لما حلم عنا ولا أخَّرنا طرفة عين، إذ خالفناه وعصيناه، فيما عنه نهانا، أو به أمرنا.
  فأبدؤا يا بني بطاعته وتقواه، يَكُفُّ الله بطاعته وخشيته كل من يطيعه منكم ويخشاه جميع ما يهمه منكم من أمر آخرته ودنياه. فقد رأيتم كيف كرم الله ورحمته ولطفه وإحسانه وتوفيقه، ورأفته بجميع خلقه، مع معاصيهم وظلمهم لأنفسهم بإغفالهم عظيم ما يجب له عليهم من واجب حقه، لا يقطع بذلك عنهم ما يتصل بهم ليلا ونهارا من عطايا نعمه ورزقه.
  فاتقوا الله ربكم وبارئكم، ذا الإحسان والنعم عليكم، معطي جميع النعم دقيقها وجليلها والخيرات كلها، عباده وخلقه من أهل الأرض والسماوات، فلله سبحانه وتعالى الدنيا والآخرة، ومنه تعالى النعم فيها الظاهرة والباطنة. فاتقوا الله فالوصية لكم يا بني أفضل وأجزل من كل نفيس وعظيم من العطية.
  وتقوى الله يا بني فهي الانتهاء عن كل ما حرم الله من جميع كبائر المعصية، وطاعة الله والمصير إليها، والإيثار لها، والصبر عليها، والنجاة في الدنيا والآخرة لها، من كل عظيمة وبلية.
  ألا ترون يا بني كيف يقول الله سبحانه لرسوله وهو يذكر ما الرسول عليه من طاعته وحبه، فأمره تعالى أن يقول لأتباعه وأصحاب فيما كانوا يزعمون أنهم عليه من حب الله تعالى، فقال الله لنبيه: {قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ}[آل عمران: ٣١]، ثم أخبرهم بالذي يتبعونه عليه، وما الحب لله الذي أمرهم به، فقال: {قُل أَطيعُوا اللَّهَ وَالرَّسولَ}[آل عمران: ٣٢]، فخبَّرهم تقدَّس ذكره أن من لم يطعه ويطع الرسول فقد كفر، وأنه لا يحب إلا المطيع له ولرسوله، يبين ما ذكرت لكم في آخر قول الله سبحانه هاهنا، فآخره موصول منه سبحانه في هذا الأمر بما قبله من القول، بيَّن فيه أن الحب له طاعته وطاعة رسوله، ثم قال سبحانه: