مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[هجرة الأنبياء $]

صفحة 380 - الجزء 1

  فتفرغ هناك خاليا بنفسه ومن أطاعه ممن تحت يديه، وصار إلى ذلك المكان من جبل بيت المقدس، وهو يومئذ جبل خال ليس فيه قرية ولا عمران، منفردا معتزلا لأهل المنكر والفواحش والعصيان، فكان منه في خلاء وبادية، اتخذ فيه حيوان الماشية، من الغنم والحمير والإبل، فبارك الله فيما اقتنى من ذلك وملكه وكثَّره.

  فذُكر في صحيح الخبر أن ما اتخذ من ذلك نما وانتشر، حتى صارت معه أقاطيع كثيرة من الغنم، وفنون وعدة من الإبل، فكانت ثلاث مائة، وقال بعضهم: ستمائة من الإناث والذكران والحمير، واتخذ من الرقيق صلى الله عليه وآله رجالا ونساء كانوا له خَوَلا تحت يده، فعلمهم طاعته وعبادته، فآثروا أمره وطاعته، فبارك الله في خَوَله ورقيقه فتناسلوا حتى بلغوا مائتين في عددهم ملئوا محَالَهم، الذي هو فيه صلى الله عليه وآله هو وهم من باديتهم وبلدهم.

  واتخذ ابن أخيه لوط خولا وحيوانات من الماشية كثيرا، وحفر لهم إبراهيم لكثرة ماشيته بيارا شتى، ثم إنه كان بين حشمه وحشم لوط تضايق، لكثرة ما أنهى الله لهم من الحيوانات، فضاقت بهم المياه، فأوقع ضيق المياه بين الخول لكثرة مواشيهم تنازعا، وكان هو وابن أخيه قد حفروا بيارا ومياها كثيرة في بوادي الجبال وغور الأرض، يتقلبون فيها شتاء وصيفا، خالين بطاعة الله وتقواه، سائحين بذكره وعبادته في تلك الخلوات والمحال الظاهرات.

  فلما تنازع رعاته ورعاة ابن أخيه بما كثر من ماشية لوط ومواشيه، فقال إبراهيم لابن أخيه، قول الأنبياء الكرام: يا ابن أخي لا أحب أن تقع الضغائن بين خَوَلك وخولي، فانظر ما في أيدينا من المياه التي حفرنا وبوادينا فاختر أي الناحيتين شئت، إن شئت فاختر بوادينا التي في غور فلسطين، وإن شئت فاختر الجبال المقدسة التي نكون بها صايفين، فخيَّره صلى الله عليه وآله أي البلدين شاء، ومياههما ما كان منها جبليا أو غورا وسهلا، فاختار لوط #