مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[وصايا القرءان]

صفحة 400 - الجزء 1

  فما هذا يا بني في هذه الآية من جوامع الوصايا بالخير والمعروف والكرم، إذ بدأ في وصايا هذه الآية بأوجب الحقوق، وبيَّن حق الخالق وعبادة الله وترك الإشراك به إذ حقه الحق الواجب الأعظم ثم ثنى تبارك وتعالى بعد ذكر عبادته وإيجاب عظيم حقه، بالوصية بحقِ مَن حقُه بعده من أوجب حقوق خلقه، بحق الوالدين اللذين منهما خلق الولد، وهما اللذان ربياه صغيرا وغذواه برزق الله، وكانا في الشفقة عليه والمحبة له والإحسان إليه على ما لا يبلغه بعد الله غيرهما أحد.

  ثم وصى في هذه الآية سبحانه بالرأفة والرحمة والصلة بعد الوالدين والإحسان إليهما إلى ذوي الرحم الأقربين، والإحسان إلى ذوي القربى، فهو العطف عليهم - كما قلنا - بالرأفة والرحمة، والصلة لمحتاجهم ومضطرهم بالعطية والهبة، والصبر على ما لا تخلو القربى منه بالحسد والنفاسة على القريب، إذا بان عليه بفضل أو رئاسة، في بُلغ الدنيا أكثر قليلا منهم سعة وجِدَة. فلا يخلونَّ حينئذ من تنقصيه وعيبه والوقيعة فيه، وحينئذ يجب الصبر منه على ذلك للقربى والصفح عنهم وترك مكافأتهم، وذلك الإحسان الذي فرض لهم عليه.

  واليتامى فقد أوصى الله في هذه الآية بهم، والإحسان إليهم والرحمة لهم، مما بلوا به من الصغر من فقد والديهم.

  ثم أوصى سبحانه في هذه الآية بالمساكين، وهم ذوو العسرة والفقر الشديد، والسُّؤال المحتاجون فأمر بالإحسان إليهم. والإحسان فهو نفعهم وما يتصدق به عليهم.

  ثم أوصى سبحانه بابن السبيل، وهو المسافر الغريب الضعيف الذليل، الذي قد تغرَّب عن وطنه وبلده، وانقطع به في بلغه وزاده، وقلة ذات يده، فأمر تعالى بالإحسان إليه. والإحسان إلى ابن السبيل فهو ضيافته ورفده، حتى يخرج من غربته وتضمه بلده.