(ومن سورة النحل)
  احتَمَلَ بُهتانًا وَإِثمًا مُبينًا}[النساء: ١١٢]. فهذا قوله للمخلوقين، وذمه لهم على رميهم بخطاياهم المسلمين، فكيف يجوز على رب العالمين أن يقضي على خلقه بقضاء، وينزل فيهم أمره وما يشاء، ثم ينسبه إليهم، ويحيله عليهم، ويعذبهم عليه ويذمهم أشد الذم.
  ومن ذلك ما يقول سبحانه: {قُل أَرَأَيتُم ما أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِن رِزقٍ فَجَعَلتُم مِنهُ حَرامًا وَحَلالًا قُل آللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللَّهِ تَفتَرونَ}[يونس: ٥٩]. فقال: جعلتم منه حراماً وحلالاً، فلو لا أن لهم فعلاً قد تَعَدَّوا فيه ما قال: جعلتم، ولقال: خلقت، وما قال ø: {قُل آللَّهُ أَذِنَ لَكُم أَم عَلَى اللَّهِ تَفتَرونَ}. فأخبر تبارك وتعالى بافترائهم عليه، ومخالفتهم له، فكيف يجوز لأحد من المسلمين أن ينسب إلى الله أفعال الظالمين، فهو سبحانه يبرئ نفسه من ذلك في كتابه المستبين، فما يقول بذلك إلا من كانت حاله كما قال الله: {فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ}[البقرة: ٨٥].
  ولعمري إن من اتبع المتشابه وخلا المحكم لَكَمَا قال الله سبحانه: {فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ وَابتِغاءَ تَأويلِهِ}[آل عمران: ٧]. وإن من تعلَّق بآية متشابهة ثم فسرها بجهله، وقاسها بعقله، لبعيد الصواب، ناءٍ عن الحق والجواب، يخبط أبداً في عشواء مظلمة، ويُحَكِّم الآيات المتشابهات على الأمهات المحكمات، ولقد أخبر الله عنهم، وعن ما يكون من فعلهم، فقال: {فَيَتَّبِعونَ ما تَشابَهَ مِنهُ ابتِغاءَ الفِتنَةِ}. والفتنة فهي: إهلاك المسلمين وتضليلهم، وتحييرهم عن الحق، فعابهم الله سبحانه بذلك.