مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة النحل)

صفحة 436 - الجزء 1

  ثم قال سبحانه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعينَ ٩٢ عَمّا كانوا يَعمَلونَ ٩٣}⁣[الحجر: ٩٢ - ٩٣]. ولو كانوا مجبورين ما سُئلوا ولا نُسب العمل إليهم، كما لم ينسب خلقهم فيما جعل الله من رزقهم إليهم.

  ثم قال: {أَفَلَم تَكُن آياتي تُتلى عَلَيكُم فَاستَكبَرتُم وَكُنتُم قَومًا مُجرِمينَ}⁣[الجاثية: ٣١]. فأخبر أنهم استكبروا وعملوا وكانوا بفعلهم مجرمين، ولعذابه من المستوجبين، ثم قال سبحانه للكافر الظالم الكذاب عند قوله: {لَو أَنَّ اللَّهَ هَداني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقينَ}⁣[الزمر: ٥٧]. فأكذبه الله في قوله، فقال: {بَلى قَد جاءَتكَ آياتي فَكَذَّبتَ بِها وَاستَكبَرتَ وَكُنتَ مِنَ الكافِرينَ}⁣[الزمر: ٥٩]. أفيجوز لأحد من المؤمنين، أو مَن عرف الله من الموحدين، أن يقول إن هذا الكافر الذي قال: {لَو أَنَّ اللَّهَ هَداني لَكُنتُ مِنَ المُتَّقينَ}⁣[الزمر: ٥٧]. إذ قضاء عليه بالكفر والله سبحانه يكذبه في ذلك ويلومه فيه، ويعذبه عليه.

  فإن قال بهذا قائل فقد أكذب كتاب الله، وعاند الله سبحانه، وإن قال: إن الكافر كذب في قوله، واجترأ في فعله، فقد رجع إلى الحق والصواب، ثم قال سبحانه: {إِن أَحسَنتُم أَحسَنتُم لِأَنفُسِكُم وَإِن أَسَأتُم فَلَها}⁣[الإسراء: ٧]. فذلك يدلك أنهم مخيرون، ومن الاستطاعة مَمَكَّنون، ودل أن من عمل صالحاً لنفسه، ومن أساء فعليها، وما كان منهم من إحسان وطاعة وإيمان فلهم، وما كان منهم من معصية وسواية فعليهم، وجعل لهم سبحانه على الاستطاعة ثواباً، وأوجب لهم على المعصية عقاباً.