مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 469 - الجزء 1

  منقلباتهم، في ليلهم ونهارهم وجميع أيام حياتهم، قال سبحانه: {وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَيناهُ في إِمامٍ مُبينٍ}. والإمام فهو المتقن من الكتاب، الذي ليس في حفظه وبيانه شك ولا ارتياب، فهو بين مبين.

  ثم ضرب لهم مثلا من تكذيب أصحاب القرية لأنبيائهم المبعوثين إليهم، إذ كانوا لهم في التكذيب مِثلا، فقال: {وَاضرِب لَهُم مَثَلًا أَصحابَ القَريَةِ إِذ جاءَهَا المُرسَلونَ ١٣ إِذ أَرسَلنا إِلَيهِمُ اثنَينِ فَكَذَّبوهُما فَعَزَّزنا بِثالِثٍ}. يعني سبحانه وهو أعلم وأحكم بـ {فَعَزَّزنا}: شددنا ووكدنا، لأن الثلاثة في الإنذار أبلغ، وفي التأكيد عليهم للحجة أكبر، {فَقالوا إِنّا إِلَيكُم مُرسَلونَ}.

  ثم أخبر سبحانه أنهم قالوا كما قالت قريش والعرب مكذبين لرسلهم: {ما أَنتُم إِلّا بَشَرٌ مِثلُنا وَما أَنزَلَ الرَّحمنُ مِن شَيءٍ إِن أَنتُم إِلّا تَكذِبونَ}. ثم أخبر سبحانه عن استشهاد رسله له في رسالتهم، إذ هو أعظم الشاهدين شهادة، وأصدق القائلين مقالة: {رَبُّنا يَعلَمُ إِنّا إِلَيكُم لَمُرسَلونَ ١٦ وَما عَلَينا إِلَّا البَلاغُ المُبينُ ١٧}. معزيا لنبيه عما كان يضيق به صدره من تكذيبهم له مع علمه بصدقه، وأنه مبعوث بالرسالة من قِبَل ربه، بإخباره عما لَقِيَتْ الأنبياء $ من قبله، وأنهم كانوا يقولون مثل ما قال قومه لأنبيائهم.

  ثم أخبر تعالى عن قول الكفرة لرسلهم، فيما كانوا يقولون به كذباً من التطير والتشاؤم بهم، إذ يقولون: {إِنّا تَطَيَّرنا بِكُم لَئِن لَم تَنتَهوا لَنَرجُمَنَّكُم وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنّا عَذابٌ أَليمٌ}. ليتعزى رسول الله ÷ في الصبر على أذى قومه، بما نال المرسلين من قبله، فقال المرسلون