(ومن سورة حم عسق)
  $ لقومهم عند تطيرهم بهم: {طائِرُكُم مَعَكُم}، يعنون بطائرهم: ما قسمه الله لهم من أرزاقهم وأعمارهم، وما علموا أنه سيحل بهم من المحبوب والمكروه في ليلهم ونهارهم، إذ التطير في لسان العرب هو ما قسم لكل أمرئ وطار له من كل نصيب، في رزق أومكروه أو موت أو أمر محبوب، فأخبروهم أن ذلك معهم، يعنون: أنه مقسوم لهم لا يزيله مزيل عنهم، يريدون: إنما قسم الله لهم من الأعمال والأرزاق والآجال، وما يتصرفون فيه من ذلك ودوامه وإنقطاعه، قد قسمه الله لهم حتى علم ما يطير منه ويصير لواحدهم وجميعهم، فهو كيف ما كانوا محكوم به لهم، طائر ما أعطاهم الله منه إليهم فهو معهم.
  ثم قال المرسلون $ لهم: {أَئِن ذُكِّرتُم}، يعنون: أَمِنْ أجل أن ذُكِّرتم، فأُمرتم بطاعة الله وأُنذرتم، كذبتم وأسرفتم، {بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفونَ}.
  ثم أخبر سبحانه عن الرجل المؤمن المصدق بالرسل والآخرة، فقال سبحانه: {وَجاءَ مِن أَقصَى المَدينَةِ رَجُلٌ يَسعى قالَ يَا قَومِ اتَّبِعُوا المُرسَلينَ ٢٠ اتَّبِعوا مَن لا يَسأَلُكُم أَجرًا وَهُم مُهتَدونَ ٢١}. فدعا قومه إلى اتباع المرسلين، وأمرهم بطاعة رب العالمين، وأخبرهم أن أنبياءهم لم يأتوا يطلبون منهم فيما بَلَّغوهم جزاء ولا أجرا، وأنهم مهتدون.
  ثم قال إيمانا بربه، وشكراً لنعمته: {وَما لِيَ لا أَعبُدُ الَّذي فَطَرَني}، يعني: الذي اخترعني وخلقني: {وَإِلَيهِ تُرجَعونَ}. فذكر رحمة الله عليه بما يجب عليهم من شكر الله في فطرته لهم، ورجوعهم عند الوفاة إليه.
  ثم قال منبهاً ومذكراً، وعن عبادة آلهتهم وأصنامهم من دون الله زاجراً: {أَأَتَّخِذُ مِن دونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدنِ الرَّحمنُ بِضُرٍّ لا تُغنِ عَنّي شَفاعَتُهُم شَيئًا