مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

(ومن سورة حم عسق)

صفحة 471 - الجزء 1

  وَلا يُنقِذونِ}. لأن الكافرين من المشركين كانوا يقولون أن آلهتهم التي من دون الله يعبدون، يشفعون لهم عند الله وينفعون، فذكَّرهم الرجل المؤمن الذي جاء إليهم يسعى، أن آلهتهم التي عبدوا من دون الله لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً.

  ثم قال: {إِنّي إِذًا}، يقول: إن فعلت في كفر ربي فِعلَكم، وقلت من الكذب قولكم، وعبدت الأصنام من دونه كما عبدتم، {لَفي ضَلالٍ مُبينٍ}. والضلال الذي عنى المؤمن رحمةُ الله عليه، فهو الضلال عن الطريق المستقيم، والصراط: الذي هدي إليه، والمبين فهو: الظاهر البين العلين، ثم صدع بالإيمان بالله والتوحيد والإقرار لعبادته بين قومه، قائلا: {إِنّي آمَنتُ بِرَبِّكُم فَاسمَعونِ}. يقول الله سبحانه وتعالى مبينا، ولإيمانه ذاكراً وله بذلك مثيباً ومجازياً: {قيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ}.

  ثم أخبر عن المؤمن صلى الله عليه إذ دخل الجنة، ورأى كريم الثواب والنعم وصار إليه، وعن قوله إذ يقول متمنياً لأن يكون مَن أكذبه من قومه، بما وهبه الله من الغفران والجنة عالماً، {قالَ يَا لَيتَ قَومي يَعلَمونَ ٢٦ بِما غَفَرَ لي رَبّي وَجَعَلَني مِنَ المُكرَمينَ ٢٧}. وأي مكرَم أجل قدراً في الكرامة وأعظم تكريماً، ممن أدخله الله الجنة ومَنَّ عليه بثوابها ونعيمها خالداً فيها مقيماً، ويشبه - والله أعلم - أن يكون قوله إذ قال لهم هذه المقالة، وأعلَمَهم بما هم عليه وآباؤهم في عبادة من عبدوا من دون الله من الضلالة، قتلوه فأكرمه بالشهادة، إذ قال: {إِنّي آمَنتُ بِرَبِّكُم فَاسمَعونِ}. قال ø: {قيلَ ادخُلِ الجَنَّةَ}، وعاجل الله قومه بالعقوبة في تكذيب الأنبياء المبعوثين إليهم، وتكذيب المؤمن الداعي إلى الإيمان لهم.