(ومن سورة حم عسق)
  ثم قال سبحانه لقوم محمد ÷ مذكرا، ولنبيه عن عقاب أصحاب القرية مخبراً: {وَما أَنزَلنا عَلى قَومِهِ مِن بَعدِهِ مِن جُندٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنّا مُنزِلينَ ٢٨ إِن كانَت إِلّا صَيحَةً واحِدَةً فَإِذا هُم خامِدونَ ٢٩} يخبر تبارك وتعالى على أن هلكة هذه القرية المكذبة، إنما كانت بصيحة أنزلها الله عليهم واحدة ليس لها ثانية، فخمدوا هامدين، وخروا موتى خامدين.
  ثم أخبر - لا إله إلا هو - عن حسرة العباد، في يوم المرجع إليه والمعاد، بغفلتهم في حذر ما حذرتهم الرسل في الدنيا من يوم بعثهم، وما يقع عليهم ويحل بهم في الآخرة، من التحسر والندم والحسرة، إذ رأوا صدق ما كانوا يكذبوا فيه الرسل من أمر الآخرة، فقال: {يَا حَسرَةً عَلَى العِبادِ}، يعني سبحانه بقوله: {يَا حَسرَةً عَلَى العِبادِ}: أن الحسرة على العباد واقفة، وقول الله: {يَا حَسرَةً عَلَى العِبادِ}، كلمة من وعيد الله منبية عن شدة الوعيد مفزعة، لأن العرب إذا أخبرت عن الأمر المفزِع المخوف العظيم، فلم يفهمه مَن تخبره عنه أو كذبت قالوا في التنبيه بأبلغ الوعظ والتكليم: يا حسرة عليك، ويا ندامة لك إذا ما حل بك ما كذبت به مما حذرناك فرأيته بالمعاينة، وإذا قالت العرب في لسانها، وما هو غاية الإفهام في لغتها وبيانها، للتي تصفه من الخير والشر ليفهم عظمه وكبره: يا كذا وكذا يدعون ما يُعظِّمون صارخين باسمه، فذلك في لسانهم غاية الإفهام لعِظَمِه، فإذا ظنوا أن شرا من البلاء واقع، أو خبرا وسروراً يأتيهم لهم نافع، قالوا عند الخير، يا خير بني فلان، فذلك عندهم غاية الإفهام والبيان، في عظم ما يصفون من فضل الخير الصائر إليهم، أو قالوا: يا بؤس بني فلان وخزيهم، وذلك بعينه غاية الإفهام، لعظم الخزي والبلاء الواقع عليهم.