مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم الرسي،

محمد بن القاسم الرسي (المتوفى: 284 هـ)

[العصمة]

صفحة 121 - الجزء 1

  وصبرهم واعتصامهم بدين الله ø، ومراعاتهم لأنفسهم، فإنهم لا يؤثرون الغفلة، ولا يقع منهم ذلك في الدين، فأما في أمر دنياهم فلربما، فلذلك عظم ثوابهم لشدة تعبهم، وتحملهم المشقة في رضا الله ø.

[العصمة]

  فأما العصمة التي ذكرتها، فهي على ضربين:

  عصمة فعلٍ من الله، مثل خلق العباد والسماء والأرض، وكلما صنع عصمة عليه منه، ليس لشيء منه اختيار في نفسه.

  وحقيقة العصمة في اللغة: التمسك بالشيء. ألا ترى أنك تقول: اعتصم فلان بفلان، أي: عَزَّ به وامتنع، وتقول: عصمه، منعه، فالله الممسك للسماء والأرض، ولعزه وجلاله لم يمتنع عليه وامتنعت على غيره.

  والعصمة الثانية: هو ما قال الله سبحانه: {وَاعتَصِموا بِحَبلِ اللَّهِ جَميعًا}⁣[آل عمران: ١٠٣]، وهو أن تمسكوا بدين الله، وأن تعتزوا بالله، وتلجأوا إليه، فكل متعبد من ملك ونبي ومؤمن، وغيره من الموحدين والملحدين، فمن هذه الطريق أمروا، بعد أن مكَّنهم سبحانه، وبعد أن أعطاهم من القوة والآلة، فمن اختار اختيار الله له رشد، ومن عدل عنه عذب، وفي ضلاله ردد.

  فأما العصمة الأولى ففعل الله حتما وجبرا، ولو كان الله قد جبر الأنبياء والملائكة والأئمة على الطاعة، لما كان لهم فعل، ولكان يقبح مدحهم، ألا ترى أن كل فعل الله في عباده لا يُحمد عليه أحد ولا يُذم، مثل الأسود والأبيض، والموت والحياة، والجدب والخصب، فالله محمود على الكل، والصحة والمرض، ويُحمد العباد على الإحسان، ويُذمون على الفساد، وقد قال الله تعالى: {لا يُسأَلُ عَمّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلونَ}⁣[الأنبياء: ٢٣]،