مسائل ينبغي معرفتها
  نظرنا في هذين القولين أعني قول من يقول أن الحق مع واحد وقول من يقول كل مجتهد مصيب، فإذا الثاني باطل لبطلان أدلته لما سيتضح لك الآن إن شاء الله تعالى.
  أما دعواهم الإجماع من الصحابة على تصويب المجتهدين في مسائل الفروع الظنية فقد قال: الإمام القاسم - رضوان الله عليه - أنه لم ينقل عن أحدٍ القول به قبل (البصرية)، وأما وقوع الاختلاف بين الصحابة فإنه لا يدل على التصويب؛ لأن الأفعال لا دلالة لها على المعاني المترجم عنها بالقول، كخرق الخضر # للسفينة فإن موسى # لم يفهم بمجرده ما الغرض منه(١)؟ فوقوع الخلاف بينهم قرينة على تخطئة كلٍ لصاحبه، لأن العاقل - في مجرى العادة - لا يخالف صاحبه فيما اتفقا عليه في طلبه، إلا لأنه أنكره وادعى خطأه وإلا لوافقه لارتفاع المانع.
  وأما دعوى عدم النَّكير من بعضهم على بعض، فباطلة لأنه نقل بالأخبار المتواترة وقوع النزاع بينهم في ذلك ومن عادات العقلاء أن لا يقع بينهم نزاع إلا فيما ينكره بعضهم على بعض، وأيضاً قد وقع التصريح بالنكير من علي # في كثير من المسائل قال العلماء: ورجع إليه عمر في ثلاثٍ وعشرين مسألة، وصرح أيضاً بالتخطئة في مشهدٍ من الصحابة في قضية المرأة التي استهزها عمر، فأسقطت خوفاً منه فاستشارهم عمر، فقال عبد الرحمن وعثمان بن عفان: إنما أنت مؤدب لا نرى عليك شيئا، فقال علي - كرم الله وجهه في الجنة - إن كانا قد اجتهدا
(١) في الإرشاد ورد بعد قوله: (ما الغرض منه) ما لفظه: بل قد يكون ما يعتاد لأمر قرينه على تحصيله لذلك الأمر، كالأكل والشرب فإن كل واحد منهما قرينه على تحصيله للحاجة المخصوصة من الجوع أو الشهوة أو العطش. الإرشاد ص (٤٣).