البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[تفسير سورة البقرة]

صفحة 124 - الجزء 1

  الجوع لخلو البطن من الطعام، والعروش: الأبنية والعرش البناء.

  {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي يعمرها بعد خرابها {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ} أي مكثت {قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} لأن الله سبحانه أماته في أول النهار وأحياه بعد مائة عام {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} أي لم يتغير من الأيسن ويجوز لم يتسنه أي لم تأت عليه السنون فيصير ذلك متغيراً.

  فإن قيل: كيف علم أنه مات مائة عام لم يتغير فيه طعامه؟ قيل: إنه رجع إلى الآثار والأخبار فعلم بها مدة موته لأنه شاهد أولاد أولاده شيوخاً، وقد كان ترك آباءهم مرداً.

  وقوله: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ ننشرها} بالراء غير معجمة ومعناه نحييها والنشور الحياة بعد الموت مأخوذ من نشر الثوب لأن الميت كالمطوي لأنه مقبوض عن التصرف بالموت فإذا حي قيل نشر وانتشر، وقرئ {نُنْشِزُهَا} بالزاي المعجمة أي نرفع بعضها على بعض وأصل النشوز الارتفاع ومنه النشز للموضع المرتفع من الأرض، ونشوز المرأة ارتفاعها عن طاعة الزوج، والذي قال له {كَمْ لَبِثْتَ} الملك.

  قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} وإنما سأل ذلك # ليحصل علم عيان بعدما حصل له علم استدلال لأن هذا كان بعد منازعة نمرود في الأخبار ولهذا قال الله تعالى: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي يزداد يقيناً إلى يقين ولا يجوز ليطمئن قلبي بالعلم بعد الشك لأن الشك في ذلك كفر وذلك لا يجوز على الأنبياء وليست الألف في قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} ألف استفهام وإنما هي ألف التقرير والإيجاب كما قال جرير:

  ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح