البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

[سورة الأنعام]

صفحة 237 - الجزء 1

  قوله تعالى: {الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ} يعني أصحاب الكتب من التوراةوالإنجيل وغيرها من كتب الله ø {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} لأن صفته موجودة في كتبهم، وروينا أن ابن سلام سئل بعد إسلامه فقيل له: ما هذه المعرفة التي تعرفون بها النبي ÷ كما يعرفون أبناءهم؟ قال: والله لأنا به إذا رأيته أعرف منه بابني وهو يلعب مع الصبيان وإني لا أشك أنه محمد وأشهد أنه حق.

  قوله تعالى: {... ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣} تبرأوا بذلك من شركهم.

  فإن قيل: كيف كذبوا في الآخرة بجحود الشرك والآخرة لا يصح فيها الكذب لأمرين أحدهما: أن الكذب لا ينفعهم، والثاني: أنهم مصروفون عن القبائح ملجأون إلى تركها لإزالة التكليف عنهم ولو لم يلجأوا إلى ترك القبيح ويصرفوا عنه مع كمال عقولهم وجب تكليفهم وفي عدم تكليفهم دليل على إلجائهم إلىتركه.

  قيل: عن ذلك جوابان أحدهما: أن قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣} أي في الدنيا عند أنفسنا لاعتقادنا فيها أننا على الصواب وإن ظهر لنا خطأوه الآن فلم يكن ذلك منهم كذباً، وقيل: إن في الآخرة مواطن فموطن لا يعلمون ذلك فيه ولا يضطرون إليه وموطن يعلمون ذلك فيه ويضطرون إليه فقالوا ذلك في الموطن الأول.

  قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} قيل: إنهم كانوا يسمعون في الليل قراءة النبي ÷ في صلاته ليعلموا مكانه فيؤذونه فصرفهم الله عن استماعه بإلقاء النوم عليهم وبأن جعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه، والأكنة الأغطية