البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأعراف

صفحة 278 - الجزء 1

  قَبْلُ} أي أعرضوا عنه فصار كالمنسي وتركوا العمل به.

  قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} والمعنى في ترك تعجيل خلقها في أقل الزمان مع القدرة عليه أن أنشأها شيئاً بعد شيء وحالاً بعد حال أبلغ في الحكمة وأدل على صحة التدبير متوالي على الأوقات بما ينشئه من المخلوقات تكرار المعلوم بأنه عالم فأراد تصرف الأمور على الاختيار ويجريها على مشيئته والخلق كان على عدد الأيام وهو الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة والسبت فأخرج الخلق فيه {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أي استولى.

  قوله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} يريد بالتضرع التذلل والخفية الإسرار {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ٥٥} يعني في الدعاء أن يسأل الإنسان ما لا يستحقه كمنازل الأنبياء أو يدعو باللعنة على من لا يستحقها وقيل الاعتداء هو رفع الصوت عند الدعاء.

  وروينا عن النبي ÷ أنه كان في غزاة فأشرفوا على واد فجعل الناس يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم فقال: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصماً ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً إنه معكم».

  قوله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} أي لا تفسدوا بالظلم {بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} بالطاعة والعدل {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه أو خوفاً من الرد وطمعاً في الإجابة {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ٥٦} وإنما سقطت الهاء من قريب والرحمة مؤنثة لأن الرحمة من الله تعالى إنعام منه ويجوز أن يكون مكان الرحمة لأن المكان مذكر كما قال عروة بن حرام:

  عشية لا عفراء منك قريبة ... فتدنوا ولا عفراء منك بعيد