البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأنبياء

صفحة 508 - الجزء 2

  الحرث لينتفع بدرها ونسلها ويدفع الحرث إلى صاحب الغنم ويؤخذ بعمارته فإذا عاد في السنة القابلة إلى مثل حاله ردت الغنم إلى صاحب الغنم ورد الحرث إلى صاحب الحرث فرجع داود إلى قضاء سليمان فحكم به.

  قال الله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} فجعل الحق معه وفي حكمه ثم قال: {وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} وأثنى الله ø على سليمان في قضائه وعذر داود باجتهاده.

  فإن قيل: فكيف يجوز أن يفهّم سليمان الحكم ويغبى على داود؟ الجواب في ذلك: أنه يجوز أن يكون داود أفتى على قدر ما رأى وسليمان نزل عليه الوحي فلما ذكر سليمان أنه أوحي إليه رجع داود إلى حكم سليمان فأما في شرعنا اليوم لو وقع مثل هذا الحكم فهو على ما روينا عن رسول الله ÷ أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطاً فقضى # على أهل المواشي بحفظ مواشيهم ليلاً، وقضى على أهل الحوائط بحفظ حوائطهم نهاراً فصار ما أفسدته البهائم بالليل مضموناً وما أفسدته بالنهار غير مضمون لأن حفظ الزرع ليلاً شاق على أربابها وحفظ الدواب نهاراً شاق على أصحابها فصار حفظ المواشي واجب بالليل على أصحابها وحفظ الزروع واجباً بالنهار على أصحابها فما وقع من التقصير في الحفظ بالليل لأصحاب الدواب وبالنهار لأصحاب البهائم فهم الضمناء، وهذا من أعذر قضاء وأصح حكم لأنه رفق بالفريقين وتسهيل على الطائفتين.

  قوله تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} وذلك لأن الله سبحانه سخر له الجبال والأرض تسير معه وتنطوي له إذا سار فكذلك الطير فسيرها معه هو تسبيحها لأن التسبيح لا يكون إلا من المطيع الممتثل فلما امتثلت الأرض في انطوائها له جرت مجرى المطيع المسبح.

  {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} واللبوس هي الدروع الملبوسة